والأستاذ مصطفى بن حمزة هو أستاذ الجيل، باعتباره حلقة وصل بين الأجيال، كما كان الإمام القرافي، الذي هو عنوان كرسي الأصول الذي يشرف عليه فضيلته.
وقد أشاد الأستاذ بهذا الكرسي، وما قدمه الدكتور مصطفى بنحمزة المشرف عليه من انجازات، أهمها كسر الحواجز بين علم أصول الفقه وعموم الناس، بعد أن كان هذا العلم محصورا في خواص الطلبة، ثم ختم الأستاذ بالإشارة إلى أن تكريم الدكتور مصطفى بن حمزة والاحتفاء به هو تكريم واحتفاء بأصول المذهب.
وبعد هذه الكلمة في حق المحتفى به، قدمت له ثلاث هدايا رمزية، باسم الكلية، وطاقمها الإداري والتربوي.
وقد قابل فضيلة الأستاذ مصطفى بن حمزة هذه الهدية الرمزية، بإهداء مكتبة كلية أصول الدين خمسمائة عنوان من المعارف المتنوعة.
الورشة العلمية الأولى:
أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى أصول الدين وعلم الكلام
منسق الجلسة الدكتور البشير الريسوني
تقديم بحث في موضوع: «الأثر الكلامي في الخلاف الأصولي»، الأستاذ الباحث محمد الحناط
استهل مداخلته بالحديث عن العلاقة التي تربط أصول الفقه بعلم الكلام حيث ربطها بظهور الفرق الكلامية، وأكد على أن إمام الحرمين الجويني أسس لدعوى عظيمة وهي قضية استمداد أصول الفقه من علم الكلام.
استهل مداخلته بالحديث عن العلاقة التي تربط أصول الفقه وعلم الكلام حيث ربطها بظهور الفرق الكلامية، وأكد على أن إمام الحرمين الجويني أسس لدعوى عظيمة وهي قضية استمداد أصول الفقه من علم الكلام.
ثم ذكر أن قلما نجد مؤلفا خلا من أثر الكلام، واعتبر أن الإمام الشاطبي من أحسن من ضبط حدود الأصول في الجمع وإن لم يتعرض للحد فإنه ضبط قضايا الأصول بثلاثة ضوابط: الضابط الأول: الخلاف الفقهي، الضابط الثاني: التفريع الفقهي، الضابط الثالث: البناء العملي، وبهذا تضبط مسائل الأصول في الافتراض والانعكاس حتى وإن كان بعضها مستندا لعلم الكلام.
ثم اعتبر أن مسائل قضايا الكلام مسلمة في أصول الفقه ويعد من جملة ما علل به استمداد أصول الفقه من علم الكلام، بعد ذلك عرض لنموذج من علم الكلام وهو مبحث التصورات وأثره في الخلاف الفقهي تعريف العلم نموذجا.
لينتقل للحديث عن نموذجين من الأصوليين هما الإمام الشاطبي وابن جزي الغرناطي، وقال إن الإمام الشاطبي أحكم قطعية أصول الفقه، حيث عقد المقدمة الأولى والثانية والثالثة، إلى تحقيق القطع في قضايا الأصول، وقد سلك في ذلك ثلاثة مسالك: المسلك الأول: قصده بأصول الفقه ما كان راجعا إلى كليات الشريعة، المسلك الثاني: الاعتماد على الاستقراء، المسلك الثالث: ما هو من قبيل الظن فليس كأصول الفقه وإن كان واردا في التفريعات وأنه مذكور تبعا لا قصدا، أما الإمام ابن جزي فاعتبر القضايا تشمل القطع والظن.
ثم ذكر مسألة ما يؤدي إلى العلم أو الظن، أو يعمم، وذكر فيها خلافات كثيرة، وأرجع سبب الخلاف فيها إلى ما ذكره الإمام حلولو في شرحه لجمع الجوامع أن المتكلمين إنما فرقوا بينهما لأن الدليل يوصل إلى المطلوب، فمطالب المتكلمين يقينية، ففرقوا بين ما يوصل إلى المطلوب اليقيني، فيختص باسم الدليل، وبين ما يوصل إلى المطلوب الظني فخصوه باسم الأمارة، أما الفقهاء لما كانت مطالبهم عملية والعمل لا يتوقف على القطع، ولما كان علم أصول الفقه يتعلق بالعلم والعمل، اعتنى الأصوليون بالاصطلاحين، وعليه فإن الرهوني يرى أن المذاهب ثلاثة: مذهب المتكلمين بالفرق، ومذهب الفقهاء بالتعميم، ومذهب الأصوليين بالجمع بين الاصطلاحين، وأيضا المدار عندهم بالتفرقة وعدمها على اعتبار العلم والعمل.
العرض الأول: أثر القضايا الكلامية في أصول الفقه: التأويل والتعليل نموذجا، الدكتور عبد القادر بيطار
استهل الأستاذ المحاضر مداخلته بالإشارة إلى أن علماء الأصول أدرجوا بعض المباحث الكلامية في مؤلفات علم أصول الفقه، ويحيلون الباحث زيادة في البحث والمناقشة على مظانها في المؤلفات الكلامية، وهذا الأمر لا يقتصر على علم الكلام فقط، بل يشمل مسائل أخرى تتعلق باللغة والمنطق الحديث …
وأرجع الأستاذ السبب في ذلك إلى اشتغال كثير من المتكلمين بعلم أصول الفقه، وما تميزت به طريقة المتكلمين من التوسع في الاستدلال العقلي.
ثم ذكر بعض المباحث الكلامية التي أدرجت في علم أصول الفقه، مع ردها إلى أصولها الكلامية وبيان صلتها بالخلافيات.
ويتعلق الأمر بمسألتين هما: مسألة: التأويل، ومسألة: التعليل، غير أن الأستاذ فصل القول في مسألة تعليل الأفعال، ولم يعرج على مسألة التأويل، وذلك لضيق الوقت.
مسألة: تعليل الأفعال: لا شك أن أحكام الشريعة الإسلامية تقوم على أساس رعاية مصالح العباد في العاجل والآجل، وهي مسألة مسلمة مبنية على نصوص شرعية واضح.
ثم وضح الأستاذ أن مسألة تعليل أفعال الله تعالى من المباحث المشتركة بين علمي أصول الفقه والكلام، وقدم لهذه المسألة بأسئلة محورية، وهي: هل يجوز تعليل أفعال الله تعالى في مجال الاشتغال العقدي أم لا؟ وهل يسوغ التعليل فقهيا ويمتنع عقديا؟ ثم كيف نركب أحكاما فقهية ذات صبغة تعليلية على أحكام العقيدة ذات البعد التنزيهي؟ وكيف استطاع نفاة تعليل أفعال الله تعالى أن يحافظوا على النسق العقدي كما فعل بناة الخطاب الأشعري؟
ثم بين الأستاذ مفهوم المصلحة في مجال الاشتغال العقدي، وأنها كثيرا ما يُعبر عنها في ميدان الدراسات العقدية بالعلة، أو الغرض، أو الحكمة، وهي مصطلحات تحيل على الأهداف التي يرسمها الإنسان ذهنيا قبل الإقدام على الفعل وتحقيقه في الواقع، كما أن لفظ الحكمة يؤول في اللسان العربي إلى الإتقان في العلم والعمل، وفي التداول الأشعري إلى العلم الكامل النافع، أو بعبارة علماء العقيدة: تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه على وفق العلم.
ثم نبه الأستاذ على أن الباحث في مضمون مصطلح الحكمة في المنظومة الأشعرية يجده مبنيا على عناصر ثلاثة تحدد هذا المضمون الذي يعد نتيجة حتمية للأحكام والأفعال الشرعية، وهي:
ـ العلم: باعتباره صفة أزلية قائمة بذاته تعالى المتعلق بجميع المعلومات في شكلها الكلي والتفصيلي.
ـ الإرادة: بوصفها صفة أزلية، وظيفتها تخصيص الممكن ببعض ما يجوز عليه، وهو المعبر عنه «بالتعلق التنجيزي».
ـ القدرة: بوصفها صفة وجودية قديمة أزلية قائمة بذاته تعالى متعلقة بجميع المقدورات.
هذا بالنسبة للفكر الأشعري، أما في الفكر الكلامي فقد ارتبطت الحكمة والغاية بتصور المتكلمين للإرادة الإلهية، هل هي مطلقة لا تخضع لمعايير الحسن والقبح والعدل والظلم؟ أم هي مرتبطة بمراعاة الحكمة والعدل والمصلحة؟
ثم أردف الأستاذ ذلك ببيان مفهوم العلة وأقسامها والخلاف فيها، فقال: العلة هي القوة التي يصدر عنها المعلول، أو هي ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجا مؤثرا فيه.
وهي أربعة أنواع: مادية، أو صورية، أو فاعلية، أو غائية.
ـ العلة المادية: وهي التي يتكون منها الشيء، كالخشب بالقياس إلى السرير، ويعبر عنه بالقابل والهيولي.
ـ العلة الصورية: هي الهيئة التركيبية التي تظهر في السرير بعد الصنع.
ـ العلة الفاعلة: هي العامل المؤثر في المعلول الموجد له، أو هي المؤثر الذي به يوجد الشيء.
ـ العلة الغائية: هي ما لأجله يكون الشيء، كالجلوس على السرير، فإنه غاية لصنعه وإيجاده.
والخلاف في مسألة التعليل يدور بين فريقين: ناف ومثبت، غير أن مقصد الفريقين يقوم على أسس عقدية معتبرة:
فالمثبت للتعليل: يريد إثبات الحكمة في الفعل الإلهي والكشف عنها.
وأما النافي للتعليل: فغرضه الدفاع عن صفة الكمال المطلق الواجب للخالق عز وجل، وكأنه لاحظ أن القول بالتعليل يشعر بالاحتياج والنقص الذي يتنزه عنه الخالق عز وجل، وصاحب هذا الخطاب لا ينكر الحكمة التي لا يخلو منها الفعل الإلهي.
ثم ذكر نفاة تعليل أفعال الله تعالى، وهم:
أولا: الفلاسفة المسلمون: فمذهب بعض الفلاسفة المسلمين أنه لا يجوز تعليل أفعال الله تعالى، كيف ما كان هذا التعليل، ويرى بعضهم جواز التعليل بالعلة الغائية.
ثانيا: المتكلمون الأشاعرة:
قرر أئمة العقيدة الأشعرية أن الله سبحانه وتعالى لا يفعل الأشياء لغرض، وليست له علة يقصدها في أفعاله؛ لأن ذلك في نظرهم يؤدي إلى النقص الذي يتنزه عنه الخالق عز وجل.
وقد استدل الأشاعرة على ذلك بأدلة عقلية، منها: «أن الدواعي المزعجات والخواطر والأغراض إنما تكون وتجوز على ذي الحاجة الذي يصح منه اجتلاب المنافع ودفع المضار، وذلك أمر لا يجوز إلا على من جازت عليه الآلام واللذات وميل الطبع والنفور، وكل ذلك دليل على حدث من وصف به، وحاجته إليه، وهو منتف عن القديم تعالى، وكذلك الأسباب المزعجة المحركة الباعثة على الأفعال إنما تحرك الغافل، وتنبه الجاهل، وتخطر للخائف والراجي الذي يخاف الاستضرار بترك الأفعال ويرجو بإيقاعها الصلاح والانتفاع، والله يتعالى عن ذلك، لأنه عالم بما يكون قبل أن يكون وبما تؤول إليه عواقب الأمور، ويعلم السر وأخفى…».
ومنها: أنه سبحانه وتعالى لو كان فعله لغرض لكان ناقصا لذاته، مُسْتَكْمَلاً بتحصيل ذلك الغرض؛ لأنه لا يصلح غرضا للفاعل إلا ما هو أصلح له من عدمه، وهو معنى الكمال.
ومنها: ما يذكره الإمام فخر الدين الرازي من كون: «أن كل من كان كذلك كان مستكملا بفعل ذلك الشيء، والمستكمل بغيره ناقص لذاته؛ لأن كل غرض يفرض فهو من الممكنات، فيكون الله تعالى قادرا على إيجاده ابتداء، فيكون توسط ذلك الفعل عبثا».
ومنها: أن صفة الغنى المطلق التي هي من الصفات الواجبة لله تعالى شرعا وعقلا تتنافى مع القول بوجود علة باعثة على الفعل؛ «إذ لو كان ـ سبحانه ـ محتاجا من وجه كان ذلكم الوجه محتاجا إلى من يزيل حاجته، فهو منتهى مطلب الحاجات، ومن عنده نيل الطلبات، ولا يبيع نعمة بالأثمان، ولا يكدر عطاياه بالامتنان، فلو خلق شيئا ما لعلة تحمله على ذلك… لم يكن غنيا حميدا مطلقا… بل كان فقيرا محتاجا إلى كسب».
ـوبعد الحديث عن نفاة التعليل وذكر حججهم، عرض الأستاذ المحاضر مذهب مثبتي التعليل:
حيث تبنت بعض التيارات الكلامية اتجاه الإقرار بوجود علة غائية في أفعال الخالق عز وجل، وهذا رأي التيار الكلامي الاعتزالي، ويرادف مدلول الغرض عندهم مصطلح الحسن، وعليه فبنية العلة الغائية من وجهة نظرهم تكون محصورة في تحقيق الحسن.
ومفهوم الغرض في الفكر الاعتزالي على مستويين:
ـ المستوى الأول: أن يرجع الغرض إلى ذاته تعالى، فيكون الغرض كونه عالما.
ـ المستوى الثاني: أن يرجع الغرض إلى أفعاله تعالى، فيكون الغرض حينئذ هو تحقيق الحسن.
ثم ختم الأستاذ بذكر دليل المعتزلة على ذلك، وهو: أن الرب تعالى حكيم، والحكيم من تكون أفعاله تتميز بالإحكام والإتقان، فلا يفعل جزافا، فإن وقع خيرا فخير، وإن وقع شرا فشر.
العرض الثاني: أثر القضايا الكلامية في أصول الفقه: التكليف بما لا يطاق نموذجا، الدكتور جمال علال البختي
أشار الأستاذ المحاضر في بداية محاضرته إلى أن هذه القضية: “التكليف بما لا يطاق”، قضية فقهية أصولية كلامية، ثم مثل لذلك: برجل غضب إلى درجة الإغلاق، فطلق زوجته، هل طلاقه نافذ أم لا، فالمسألة فيها نقاش بين المذاهب، ولو وقفنا في تحرير المسألة لوجدناها ترجع إلى نية الشخص لما صدر منه هذا الفعل، هل إرادته كانت تامة أم ناقصة، فإذا كان فاقد النية فإنه يكون في حالة إذا حكمنا عليه فإنه يكون من التكليف بما لا يطاق، وهذه المسألة ترجع في أصولها إلى القواعد الأصولية، لكن مبناها أصلا إنما تأسس على علم الكلام.
ومسألة التكليف بما لا يطاق كتب فيها أهل الكلام أكثر مما كتبه الأصوليون، غير أن النظر في المسألة من مستويين.
المستوى الأول: المستوى العقدي، أو الكلامي.
المستوى الثاني: مستوى أصولي يرتبط بالبعد الإنساني، والبعد العملي.
ثم نبه الأستاذ على أنواع التكليف بما لا يطاق، وقال: هذه إشكالية لا يتنبه لها البعض مما يجعله يقع في أخطاء، وأنواعه ثلاثة مع اختلاف في بعض الجوانب:
النوع الأول: المحال أو الممتنع لذاته، كجعل القديم محدثا أو ما إلى ذلك.
النوع الثاني: المحال لغيره أو لعارض، أو الممتنع العادي، لانتفاء شرط من شروطه كخلق الجسم والصعود إلى السماء، والمشي على الماء، وغير ذلك.
النوع الثالث: الممتنع لغيره، ولكن لوجود مانع منه، كعلم الله تعالى بعدم وقوعه، أو لعدم إرادة الله لوقوعه، ويمثل لهذا الأمر علماء الأصول بإيمان أبي لهب.
هذه المستويات الثلاث لا بد من استحضارها في مناقشة مسألة التكليف بما لا يطاق، وعدم العلم بها يوقع في الخطإ أثناء تتبع المذاهب.
ثم ذكر الأستاذ رأي المذاهب الكلامية في مسألة التكليف بما لا يطاق، ثم أردفها برأي الأصوليين:
المعتزلة: يقولون: “لا يجوز التكليف بما لا يطاق”، هذا المعروف من مذهبهم، لكن المسألة ينبغي أن تأخذ بشيء من التحفظ؛ لأن هناك من المعتزلة وهم معتزلة بغداد لهم رأي مخالف لهذا الرأي.
وعلل المعتزلة المسألة بأنها لما كانت مرتبطة بالتحسين والتقبيح العقلي، فتكليف الشخص بما لا يطاق لا يليق بالله سبحانه وتعالى.
الماتريدية: وهي الفرقة التي توسطت بين المعتزلة والأشاعرة، وقد قالوا في المسألة بقول المعتزلة؛ لأن التكليف في نظرهم فاسد عقلا؛ لعدم وجود القدرة عليه، والماتريدي ـ وهو الشيخ الأكبرـ يرى أن من منع القدرة فتكليفه فاسد عقلا، أما المضيع لقدرته فيجوز تكليفه.
المدرسة السلفية: ينطلق السلف في هذه المسألة من منطلقين:
أولا: يقولون: إن إطلاق القول في التكليف بما لا يطاق بدعة؛ لعدم وروده في الشرع.
ثانيا: التكليف بما لا يطاق على فرض قبول هذا المبدإ ينبغي التفريق فيه بين أمرين:
أـ تكليف لوجود ضده من العجز، وهو لا يجوز إجماعا.
ب ـ تكليف لعدم وجود ضده من العجز، وهذا يجوز إجماعا.
الأشاعرة: أثاروا إشكالا في المسألة؛ لأنهم قالوا بجواز التكليف بما لا يطاق، ونقلوا ذلك عن الإمام أبي الحسن الأشعري، لكن الذي ينبغي أن يعلم أن هذا الإطلاق في الحكم على أبي الحسن غير دقيق من الناحية العلمية؛ لأن أبا الحسن له رأي آخر في المسألة.
آراء الأصوليين في المسألة:
الحنفية: قالوا برأي المعتزلة، لكن المعتزلة قالوا بأن الأصلح واجب على الله تعالى، والحنفية بنوا ذلك على أنه لا يليق بحكمة الله وفضله التكليف بما لا يطاق، لا على أن الأصلح واجب على الله تعالى.
المالكية: فرقوا في الموضوع بين نوعين من الخطاب، خطاب تكليف، والشرط فيه القدرة والعلم، ففاقد القدرة إذا كُلِّف يكون مكلفا بالمحال، وفاقد العلم يكون مكلفا بغير الوسع، فالمالكية لهم موقف سلبي من التكليف بما لا يطاق.
الشافعية: صرح معظمهم بمخالفتهم للأشعرية في الموضوع.
الحنابلة: يتفق الحنابلة مع المعتزلة بالقول بأن الاستطاعة تسبق الفعل، وهي مناط التكليف، ومن لا قدرة له لا تكليف عليه.
العرض الثالث: أثر القضايا الكلامية في أصول الفقه: التحسين والتقبيح نموذجا، الأستاذ يوسف حنانة
بدأ الأستاذ بالدلالات اللغوية والاصطلاحية لمفهوم التحسين والتقبيح، مشيرا إلى أنهما يطلقان على الأفعال التي يقوم بها الإنسان.
وقد ذكر أن هذه المسألة اتسعت دائرتها، وتسببت في كثير من المباحث الخلافية.
ليردفه بالجواب عن التساؤل الآتي: ما الذي يُحسن ويُقبح؟ هل هو الشرع أم العقل؟ مبرزا الخلاف الكلامي بين المعتزلة والأشاعرة في المسألة، وذلك على ثلاثة أقوال.
1 ـ الأصل في الأشياء هو التساوي، والعقل هو الذي يحسن أو يقبح.
2 ـ الأشياء تحمل على صفات الحسن والقبح عقلا، وهو مذهب المعتزلة.
3 ـ موقف الأشاعرة، هو أن المحسن والمقبح هو الشرع، فما قبحه الشرع فهو قبيح، وما حسنه فهو حسن. ومثل لذلك بالخمر، حيث أشار إلى أن خمر الدنيا حرام، وخمر الآخرة نعمة، فلو كان العقل يحسن ويقبح في الشرعيات لما فرق بينهما.
لقاء مفتوح مع: الدكتور مولاي عمر بن حماد والدكتور سمير بودينار
من 20.30 إلى حوالي 22.00ليلا
ركز الدكتور مولاي عمر بن حماد في توجيهه للطلبة على مشكلات البحث الجامعي من مستوى الدكتوراه.
ـ ومن أهم المشكلات عدم قدرة الطالب على طرح مشروع للبحث، فيطلب من الأستاذ اختيار موضوع له، وهذا يدل على أن الباحث جاهز للبحث في كل شيء، وأنه لا يملك مشروعا علميا.
ـ ومن هذه المشكلات تسجيل موضوع واحد في كليتين، وتكرار موضوعات سابقة، مما يجعل الجهد ضائعا.
ـ وهذا يعود في الحقيقة إلى عدم وجود جهة توفر المعلومات عن الأطاريح المسجلة والمناقشة، وذكر الأستاذ أنّ مركز المقاصد بالرباط يحاول أن يسد هذه الثغرة، وأن يجمع قواعد بيانات للبحوث المنجزة في الدراسات الإسلامية.
ـ مشكلة المواكبة مشكلة أساسية أيضا، إذ يأتي الباحث في آخر لحظة ليسجل موضوعا، ثم تنقطع صلته بالمشرف، ثم يأتي بعد مدة طويلة بالعمل منجزا، فاقدا لروح الإشراف العلمي الصحيح.
ـ هناك مشكلة المكتبة، حيث أصبح الطلبة مفرطين في القراءة، ومقصرين في جمع مكتبة الموضوع الذي يبحثون فيه.
ـ لابد من التعامل مع الانترنت بصفته وسيلة اتصال، أما الاستغناء به عن الرجوع للمصادر، فهو سبب جوهري في تردي العمل الجامعي.
ـ لابد من ارتباط البحوث بمطالب الوقت، وألا تكون في فضاء التجريد، المستقل عن التكاليف المتصلة بالزمان والمكان.
ثم أجاب الأستاذ على جملة من أسئلة الباحثين، في مجموعة من المسائل، منها كيفية اختيار الموضوع للأطروحة، ومشكلة تكرار البحوث…
كان من الفوائد المتضمنة في كلمة الدكتور سمير بودينار:
ـ طلبة العلوم الشرعية لابد أن يفتحوا نافذة على العلوم الإنسانية والاجتماعية، وأن يراقبوا حركة النشر في هذه العلوم، وذلك حتى يمكن للبحث في العلوم الإسلامية أن يساوق حركة الزمن.
ـ العلوم الإنسانية لابد أن تستفيد من العلوم الشرعية، ومن أصول الفقه على وجه الخصوص، كما كان قديما، حيث استفاد علماء الاجتماع المسلمون من الفقهاء والأصوليين وغيرهم: ابن خلدون مثلا، طور مفهوم «العصبية» كأساس للأنظمة السياسية في عصره، وهو مفهوم مقتبس من مفهوم «الشوكة» التي تحدث عنها الفقهاء قبله كثيرا.
ـ قطعت الدراسات الإنسانية في الغرب شوطا بعيدا في المناهج والطرق والتقنيات، مما يجب أن يستفاد منه للرفع من أداء البحث الجامعي في الدراسات الإسلامية.
ـ لابد من التنبه إلى مشكلة التحيز في مناهج البحث الاجتماعي، وهي مشكلة لصيقة بالعلوم الإنسانية.
ـ لقد توصل كبار الباحثين في الفلسفة وعلوم الاجتماع إلى أن الموضوعية هي عبارة عن خرافة، حيث يزعم الباحث أنه منفصل عن ذاته، وأنه مجرد مقرر للحقائق الخارجية.
ـ لا يجوز للباحث إلغاء انتمائه الخاص، ولكن لا يجوز أن يفرضه على غيره، بل يتعين عليه أن يخاطب العموم بالحقائق، والمعارف، والقواعد المنهجية التي تشكل اللغة المشتركة للمجتمع العلمي، ثم يترك للناس الحكم على صحة الأطروحة أو عدمها، بناء على احترام المنهج وقواعد العلم.
وقد أجاب الأستاذ على أسئلة الطلبة، التي كانت عن جملة من القضايا: العلاقات مع العلوم، وكيفية وضع إطار البحث الجامعي، ومشكلة حدود التحيز المحمود والمذموم…
اليـوم الثانـي:
جلسة المحاضرات العامة الثانية
منسق الجلسة الدكتور عبدالعزيز بلاوي، عميد كلية الشريعة بأكادير
المحاضرة الأولى: الدلالات عند الأصوليين: أهميتها ومجالاتها وثمرات الاختلاف فيها، الدكتور محمد جميل مبارك
استهل الأستاذ المحاضر محاضرته بشكر اللجنة المنظمة لهذه الدورة ممثلة في مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي التابع للرابطة المحمدية للعلماء، وكلية أصول الدين التابعة لجامعة القرويين، ثم ثنى بالتنويه بالطلبة والباحثين الذين حجوا لحضور هذه الدورة، معرجا في الوقت نفسه على بعض الأمور الهامة لطالب العلم، والتي منها:
ـ تصحيح النية مطلب ضروري لخدمة الشرع.
ـ الحرص والمضي قدُما في الطلب هو زاد الباحث وطريقه للمعرفة.
ـ إحياء النبل الخلقي الذي كان سائدا لدى طلبة العلم قديما.
ـ أهمية اللغة العربية في علوم الشريعة.
ثم شرع في صلب موضوع محاضرته مشيرا إلى أن مبحث الدلالة تتوارد على رياضه ثلاثة علوم:
1- علم اللغة.
2- علم الأصول.
3- علم المنطق.
مبينا مفهوم الدلالة باعتبارها رابطا بين المعاني ومباني الألفاظ، فهي فهم أمر من أمر، أو كون أمر بحيث يفهم منه أمر آخر.
وأبرز أن اللغة هي أهم ملكة تمكن من الاجتهاد والتجديد، موضحا أن القصور في علم الشريعة يأتي من إحدى أمور ثلاثة:
ـ ضعف الإدراك لمقتضيات الألفاظ.
ـ قصور الخطو عن بلوغ مقاصدها.
ـ قلة الزاد في اصطلاحات أهل الشريعة.
ثم ذكر أن الدلالة على ضربين: لفظية، وغير لفظية. واللفظية على ثلاثة أنواع، يعنينا منها النوع الأول المتعلق بالدلالة اللفظية الوضعية، من مطابقة، وتضمن، والتزام.
ثم تحدث عن بعض المسائل التي يناقشها العلماء في مبحث الدلالات، مثل: مسألة اللغة هل هي توقيفية أم اصطلاحية؟ وثبوت اللغة بالقياس وعلاقتها بالقياس الأصولي، كما أشار إلى الحقيقة والمجاز، وأن الحقيقة تنقسم إلى: لغوية، وشرعية، وعرفية. والمجاز أيضا ينقسم بدوره إلى هذه الأقسام.
ثم نبه على قضية التعارض بين الحقيقة والمجاز أيهما يقدم، فذكر اختلاف العلماء في ذلك، غير أنهم اتفقوا على أنه إذا هجرت الحقيقة يقدم المجاز، وإذا تساويا قدمت الحقيقة، ومثل لذلك بحديث (المحرم لا ينكح ولا ينكح)، وحديث (البيعان بالخيار).
ثم تحدث عن العموم والخصوص، مشيرا إلى أن مبحث العام والخاص يعد من أوسع مباحث الدلالة، وإلى أن جل الأصوليين لا يفرقون بين لفظ العام والأعم، وهناك من يفرق بينهما، فيعتبر أن العام له تعلق باللفظ، والأعم له تعلق بالمعنى، كما أن الأصوليين يتحدثون أيضا عن نسبية العموم، فاللفظ إما عام مطلقا، وإما عام نسبي. وهناك من يدخل العام في تقسيم آخر للماهية، فاللفظ إما أن يدل على الماهية، أو على جميع أجزاء الماهية، فالأول المطلق، والثاني العام.
ثم ذكر نماذج من مسائل العموم التي بني عليها خلاف فقهي، مثل: العموم هل له صيغة خاصة أم لا؟
ولضيق الوقت ختم الأستاذ مداخلته مؤكدا على أن هذا المبحث يختزن اختلافات كثيرة، تحتاج إلى تحرير وتمحيص وتدقيق.
المحاضرة الثانية: الخلاف الأصولي في المذهب المالكي: أسبابه وآثاره، الدكتور محمد التمسماني
أشار الأستاذ المحاضر في بداية المحاضرة إلى أن أهمية معرفة الخلاف الأصولي تكمن في تنمية الملكة العلمية، والاطلاع على مآخذ الفقه ومستندات الفقهاء.
ثم ذكر أن الحديث عن الخلاف الأصولي يقتضي أن هناك مصنفات أصولية، مبينا أن أصول الإمام مالك تؤخذ أولا من عند الإمام مالك في كتابه الموطأ وفي رسائله وأجوبته، ثم من مصنفات المالكية الأصولية التي تميزت عن غيرها من مصنفات الأصوليين بخصائص، منها:
ـ مصادر التأصيل والتأسيس
ـ مصادر التحرير والتحقيق
ـ مصادر في الانتصار للمذهب
ـ مصادر التقرير والتنقيح
ـ مصادر التأصيل للفقه المالكي.
لينتقل إلى محور آخر، وهو منهج علماء المالكية في ذكر أسباب الخلاف الأصولي، فبين أنهم أحيانا يصرحون بالسبب، وأحيانا لا يصرحون، بل يذكرون الخلاف دون السبب.
وتارة يختلفون في تقرير الأسباب، فبعضهم يذكر السبب اللغوي، والآخر يذكر السبب العقدي، وبعضهم يلجأ إلى الترجيح، ويستعملون في ذلك بعض الكلمات الدالة عليه مثل: قال المحققون، أو الذي عليه الكثير من أهل العلم، أو الجمهور على كذا وكذا، وغيرها.
ثم تطرق إلى جهود علماء المالكية الأصوليين في تدبير الخلاف الأصولي، مشيرا إلى أن الخلاف لا يرفع وإنما يدبر، ومن طرق ذلك:
1- إرجاع الخلاف إلى أصله الحقيقي: (العقيدة، اللغة، الفقه…).
2- تحرير محل النزاع.
3- الترجيح.
ثم عرج على جملة من المسائل الخلافية في المذهب المالكي، وختم كلمته بأهم الأسباب التي وقع فيها الخلاف بين الأصوليين في المذهب المالكي، وحصرها في سبعة، وهي كما يلي:
ـ تفسير المصطلح
ـ الخلاف في القياس والإلحاق
ـ الحكاية عن الإمام والتخريج على أصله.
ـ اللغة.
ـ فهم النصوص الشرعية.
ـ أصول الدين والعقيدة.
ـ الفروع الفقهية
الورشة العامة الثانية:
أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى علم المنطق ومبحث الدليل
منسق الجلسة: الدكتور مصطفى بوجمعة
العرض الأول: أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى المنطق، الدكتور أحمد مونة
استهل الأستاذ المحاضر مداخلته بعرض مجموعة من النقط المتعلقة بالعرض؛ وذلك لأجل رفع الالتباس في هذا الموضوع، وهو علاقة المنطقيات بالأصوليات.
– ثم أشار إلى أنه ينبغي التمييز بين ركنين أساسين يقوم عليهما الدليل المنطقي:
الركن الأول: يتعلق بصورة الدليل.
الركن الثاني: يتعلق بمادة الدليل.
– كما وضح أن علم المنطق علم يـبحث في أمرين اثنين:
الأمر الأول: ضبط الحدود، و هذه غاية مبحث التصورات.
الأمر الثاني: تركيب الأدلة، وهذه غاية باب التصديق.
– وعرج بعد ذلك على توضيح المفاهيم الأساسية في علم المنطق، وحدد أربعة جوانب من هذه المفاهيم:
– الجانب الأول: هو جانب القطعية في النتيجة المرتبطة بطبيعة العلاقة بين المقدمات و النتيجة.
– الجانب الثاني: هو جانب الصورية، وهو الذي يعمد إلى إخلاء الاستدلالات من مضامينها.
– الجانب الثالث: وهو جانب العلاقة بين النتيجة و المقدمة.
– الجانب الرابع: وهو جانب التواطؤ، تواطؤ الألفاظ التي تصاغ بها الأدلة.
ثم ذكر الأستاذ العلماء الذين اشتغلوا بالمنطق في الثقافة الإسلامية وهما عالمان كبيران من أعلام الفكر و الثقافة الإسلامية: ابن حزم الظاهري وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي، ووضح عملهما في هذا المجال وما سعيا إلى تحقيقه.
الأول: سعى إلى إخراج المنطق وجعله عبارة عن موازين قرآنية، وبين هذا في كتابه “القسطاس المستقيم”.
أماالثاني: فقد سعى إلى تقريب هذا المنقول الحضاري إلى الأمة الإسلامية من خلال عنوان دال على هذا العمل الكبير الذي قام به، وهو تقريب حد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية و الأمثلة الفقهية.
– ومفهوم التقريب في التداول العلمي، هو الإتيان بمقدمات تفيد المطلوب للمتلقي.
– ثم أشار إلى أن هذا المنطق الذي انتصر إليه الإمامان ابن حزم والغزالي، وجد معارضة كبيرة، ولكن الإشكال الذي وقع فيه المعارضون للمنطقيات من زاوية شرعية، هو أنهم أخرجوا المنطق عن مقتضيات الدين، و هذا خطأ فادح؛ لأن المنطق علم وسيلة والدين علم مقصد.
كما نبه على أن الذي ثبتت عنده يقينية الاستدلالات المنطقية، يرى بأن الذين يعارضون المنطق إنما يعارضون العقل. لأنه ثبت بالدليل والبرهان أن الاستدلالات المنطقية هي استدلالات قطعية.
وذكر بأن النقد الذي وجه لهذا العلم و كان نقدا رائعا، هو نقد شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية.
فهو عندما نقد المنطق انتصر في الحقيقة إلى منطق آخر، وهو ما يسمى الآن بمنطق الحجاج في مقابل منطق البرهان، فابن تيمية هو الذي أكد على طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين مقدمات البرهان ونتيجته، وهي العلاقة اللزومية، ولذلك عندما أراد تعريف المنطق قال: ” إن المنطق هو العلم باللزوم”.
ومنه قال كلمة دالة جداً في كتاب النبوات حيث اعتبر بأن ” الاستدلالات المنطقية إن هي إلا صورة من الاستدلالات الشرعية”. بمعنى آخر أن الاستدلالات الشرعية تتسع للضروب و الأشكال التي أنتجها علم المنطق، وتزيد فوق ذلك أساليب و طرقا في الاستدلال تتسع لكل ما يمكن أن يبدعه الإنسان وهو يستدل في مجال الشرعيات، وهو قول رائع أحيى به ما كان قد قدمه من نقد.
ثم بين الأستاذ بعد ذلك كيف أن مفهوم التواطؤ بمعناه المنطقي، قد تغلغل إلى الدرس الأصولي من خلال النموذجين اللذين سبق ذكرهما ( ابن حزم و الإمام الغزالي).
فالموضوع قياس الأولى، فعندما نناقش قياس الأولى فإننا نقصد به، مفهوم الموافقة و الفحوى. وخلاصة هذا القياس، هو أن هناك منطوقا و مسكوتا، و أن المنطوق يكون أضعف في الدلالة من المسكوت، بمعنى أن الحكم في المسكوت هو أولى منه في المنطوق.
وقد نبه الأستاذ بأن الإمام الغزالي و الإمام ابن حزم رفضا قياس الأولى، لكن الإمام ابن تيمية انتصر لهذا الأخير و جعله أرقى أنواع الاستدلالات خاصة فيما يتعلق بالدليل الوجودي.
ثم ضرب الأستاذ أمثلة لتوضيح و تفسير و تبيين توجهات الإمامين.
ثم ذكر الأستاذ أحد الأصوليين المغاربة المتأخرين وهو الشريف التلمساني، وذكر أن له كتابا جميلا جدا، سماه: “مثارات الغلط في الأدلة”، وذكر أنه عندما كتب هذه الرسالة كتبها بروح منطقية خالصة، واعتبر أن مثارات الخطأ في الاستدلالات الأصولية إنما مردها إلى طرق بناء الأدلة و ليس فقط إلى مضامين القضايا التي تصاغ بهـا الأدلة.
ثم وضح كلامه بذكر مثالين من الفقهيات.
واختتم عرضه بحث الطلبة على قراءة هذا المتن الذي اعتبره رائعا جدا ومهما في بابه: ” مثارات الغلط في الأدلة” للشيخ الشريف التلمساني.
العرض الثاني: اللبس في المفهوم الاصطلاحي وأثره في الخلاف الأصولي، الدكتور العربي البوهالي
افتتح المحاضر مداخلته بتمهيد بين فيه بعض النقاط، وهي:
* أهمية علم أصول الفقه مشيرا أنه القانون الضابط لعملية الاجتهاد والاستنباط به تستخرج الأحكام الشرعية للقضايا والمستجدات التي تعن للمسلمين في أمورهم العامة والخاصة.
* التنويه بأن هذا العلم ابتكار إسلامي أصيل استكمل أسسه وأركانه عبر تراكمات معرفية ومنهجية.
* الإجابة عن تساؤل قد يطرح بشأن هذا العلم، وهو بما أنه علم منهجي يعنى بضبط الأدلة الكلية والجزئية وقواعد الاستنباط اللغوية والمعنوية، قد يُظن خلوه من الخلاف، مجيبا أن الأمر ليس كذلك، فهو مثل جميع العلوم المتولدة من الاجتهاد، وإن استندت إلى نصوص الوحي، فهو يعكس الطابع البشري الذي يتسم بالتنوع.
* الأسباب التي يؤول إليها الخلاف في هذا العلم كثيرة، وأشار أن من تلك الأسباب ما يؤول إلى اللبس في ضبط بعض المفاهيم والمصطلحات.
بعد هذا التمهيد حصر الأستاذ عرضه في ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المصطلح الأصولي وأهميته العلمية
المبحث الثاني: غموض بعض المصطلحات الاصطلاحية وأثرها في الخلاف الأصولي
المبحث الثالث: ما العمل بعد استيعاب الخلاف الأصولي وأسبابه
وعن المبحث الأول: الذي هو المصطلح الأصولي وأهميته العلمية أشار الأستاذ المحاضر إلى أنه من لا يقدر على الإحاطة بالمصطلحات التي تستعمل في أي علم لا يعد من المتخصصين فيه، بل لا يمكن الثقة فيما يخبر به عن هذا العلم، مستدلا على ذلك بنصوص من أقوال العلماء.
مؤكدا أن لغة علم أصول الفقه تتميز بغلبة الاصطلاح عليها منذ نشأته الأولى حيث توجهت عناية الأصولين به ضبطا وتعريفا؛ صونا لهذا العلم من الغموض واللبس، ومع تلك الجهود لا تزال بعض المصطلحات مستصحبة الاضطراب والتباين لا سيما في أذهان المبتدئين.
أولا: المصطلح الأصولي وإشكالية ضبط المفهوم.
معرفا المصطلح من حيث مدلوله اللغوي والاصطلاحي، مشيرا إلى أن ضبط تعريفه وتحديد مفهومه ذات أهمية بالغة.
ذاكرا أنواع الحدود وأشكالها، وبعض عيوبها وقصورها، والضوابط المحددة لصناعة الحد. ومع ذلك نجد في كتب أصول الفقه بعض المصطلحات لم يحصل الاتفاق على حدها فانعكس ذلك سلبا على من رام تحصيل المراد من هذا العلم بل يصل الاختلاف أحيانا درجة من التوتر، فتلقى الاتهامات بين العلماء بسبب اللبس في المصطلح.
عناية الأصوليين بالمصطلحات التي يكثر دورانها فيما بينهم، أشار فيها إلى أن علماءنا لما علموا أهمية المصطلحات أفردوا لها كتبا خاصة صدروا بها كتبهم.
وأما المبحث الثاني: الذي عنونه بغموض بعض المصطلحات الأصولية وأثرها في الخلاف الأصولي فتناول فيه ثلاثة مصطلحات:
الأول: مصطلح الإجماع.
الثاني: مصطلح القياس.
الثالث: مصطلح الاستحسان.
وأما المبحث الثالث: ما العمل بعد استيعاب الخلاف الأصولي وأسبابه، فكان عبارة عن توجيهات أربعة:
الأول: ما له علاقة بموضوع الاصطلاح، مخبرا أن هناك دراسة أنجزت في الموضوع لو تيسر للباحثين أن يكملوا ما بقي من المصطلحات، مشيرا إلى أنه ليس هذا هو الهدف في ذاته، وإنما الهدف أن يكون هناك مشروع علمي يستوعب جميع المصطلحات الأصولية وتبين لطلاب العلم بالمنهج العلمي الموضوعي.
الثاني: ما يتعلق بأصول الفقه، وهو أن هذا الاختلاف الموجود في الأمة الإسلامية الذي قد يصل إلى الاقتتال سببه نابع من الاعتقاد، فلكي يزول الخلاف بين العوام ينبغي أن يزول بين العلماء، وعندما نريد أن نزيله من العلماء يزول أيضا في الأصول. فلا بد من الاعتناء بأصول الفقه عناية تحقيق وموضوعية.
الثالث: فيما يؤول إلى التكوين العلمي، ذكر فيها ما يلي:
* تقوية العلوم الشرعية في التعليم الثانوي.
* إعادة الاعتبار إلى التخصص في العلوم الشرعية.
المسألة الرابعة: فيما يؤول إلى البحث العلمي في الجامعة ملوحا أن البحث العلمي في الجامعة في العلوم الشرعية ليس بخير، معللا أنه غلب عليه المجهود الفردي، داعيا إلى التفكير في مشروع منظم للبحث.
وختم الأستاذ حديثه بالشكر للجهتين المنظمتين.
العرض الثالث: المنطق وتجلياته في الدرس الأصولي، الدكتور خالد زهري
قدَّم المحاضر لعرضه بخمس ملاحظات:
الأولى: وهو أن البحث الذي دُعي إلى عرضه عبارة عن ورشة، وطبيعة الورشة تستلزم أن يكون التعامل مع عشرين طالبا، أو خمسة وعشرين، مشيرا إلى أن هذا الأساس هو الذي بنى عليه بحثه التطبيقي، ليتبين أن الأمر عبارة عن محاضرات منوها بهذا الصنيع؛ لتعم الفائدة.
الثانية: أن المدارس الأصولية اختلفت في استخدام المنطق في الدرس الأصولي. ذاكرا مذاهبهم في ذلك.
الثالثة: عند الحديث عن استخدام المنطق في الدرس الأصولي ينبغي التمييز بين هذا المستوى وبين المستوى الآخر وهو استخدام الفلسفة، فالمنطق …….
الرابعة: الاعتراف بأنه لا يمكن فهم علم أصول الفقه دون فهم علم المنطق.
الخامسة: الاعتراف أيضا أن علم المنطق يستعان به لتصحيح ما به التصورات والتصديقات، أما علم أصول الفقه فيمكن اعتباره منطق الفقه.
لينتهي من هذه الملاحظات إلى التطبيقات، معرجا على المباحث التي بني عليها علم المنطق حيث حصرها في تسع، مشيرا إلى أن هناك من يجعلها عشرة، وهي:
* أقسام الدلالة، *الكليات الخمس، * التعريفات ، * القضايا، * التناقض، *العكس، * القياس، * أقسام الحجة.
وأشار المحاضر أن هذه المباحث في مجملها تعود إلى بابين: الأول: باب التصورات، والثاني: باب التصديقات. وكل منهما تقسم إلى مبادئ، ومقاصد.
وقد اقتصر على بعض قواعد علم المنطق ليبين كيف طبقت في علم أصول الفقه. من خلال استعراض جملة من النماذج والأمثلة معتمدا على كتاب الورقات لإمام الحرمين مع شرح ابن زكري.
ومن القضايا التي تناولها: تعريف القياس، وتعريف الأمر، والاجتهاد، مصطلح العلم، وغيره، مع بيان أنه تعاريف لا تتوفر فيها الشرائط المنطقية.
الورشة العامة الثالثة:
أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى الدلالات ومعاني الألفاظ
منسق الجلسة الدكتور رشيد كهوس
العرض الأول: أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى الألفاظ، الدكتور محمد أوالسو
مهد الأستاذ مداخلته بالقول: إن الألفاظ قوالب المعاني، وأن الخلاف الفقهي عائد أساسا إلى الخلاف الأصولي، وأن الخلاف الأصولي عائد فيما يتعلق بالقواعد الأصولية إلى مباحث الألفاظ، ومباحث الألفاظ تنظمها ثلاثة أشياء هي: «الوضع»، و«الحمل»، و«الاستعمال» مشيرا إلى الفرق بين هذه الثلاثة من خلال كلام القرافي رحمه الله.
ثم أشار إلى أنه من القواعد المختلف فيها مما له صلة بالوضع، قاعدة «عموم النكرة في سياق النفي هل ذلك العموم يكون بالوضع أو باللزوم»، موضحا القاعدة، ومبينا أقوال العلماء في المسألة، وسبب الخلاف فيها.
ومن ذلك أيضا: الخلاف في تصوير ماهية المطلق بين من يقول: إنه دال على الوحدة الشائعة، كالآمدي وابن الحاجب، وبين من يقول إنه دال على الماهية بلا قيد وهو الذي اختاره ابن السبكي.
وذكر مما يرجع الخلاف فيه إلى الوضع، قاعدة نفي الاستواء بين الشيئين هل ذلك من ألفاظ العموم أو ليس من ألفاظ العموم؟ مبينا منشأ الخلاف في ذلك.
وذكر أيضا مما ينبني على الوضع الخلاف في قاعدة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده، مبينا مرجع الخلاف في القاعدة، وبيان أقوال الأصوليين في المسألة، مع ذكر نماذج.
ومن أسباب الخلاف أيضا: هل تعتبر الدلالة باللفظ أو دلالة اللفظ، موضحا القاعدة، قائلا: بما أنه وقع الاختلاف في تعريف الدلالة، هل هي: فهم أمر من أمر، الأول مدلول، والثاني دال، أو هي: كون اللفظ بحيث يفهم منه أمر، سواء فهم بالفعل أو بالفهم؟
وبما أن الوضع هو: جعل اللفظ دليلا على المعنى، فهل الدلالة للفظ أو باللفظ؟ وهل الجعل المأخوذ في تعريف الوضع يسلب الدلالة للفظ؟ وتعتبر دلالة اللافِظ لا دلالة اللفظ؟
أم يقول: إن تعريف الوضع باعتبار الحقيقة يتضمن دلالة اللفظ بنفسه.
وذكر أنه بني على هذا السبب الخلاف في دخول الصورة النادرة وغير المقصودة تحت لفظ العام.
وأورد بعض الفروع التي تندرج تحتها، منها: حديث: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا…»، فإن قلنا بدخول الصورة النادرة، أو غير المقصودة، فإذا اشترى الولي لنفسه من مال محجوره، فكيف ينزل عليه لفظ الحديث؟
وأتى بصورة معاصرة تندرج تحت هذه القاعدة، منها قضية مراقبة الأهلة بالوسائل المتطورة الجديدة المعروفة، فالأمر في ذلك راجع إلى دلالة اللفظ أو باللفظ، فمن راعى دلالة اللفظ، قال بدخولها، ومن راعى أن الدلالة تكون باللفظ لم يجعلها مندرجة تحت لفظ العام.
ومن أسباب الخلاف أيضا في بعض القواعد الأصولية: دلالة العام على أفراده بين القطع والظن، ذاكرا ما ينبني عليها من فروع، منها:
أولا: الخلاف في جواز تخصيص عام القرآن بخبر الآحاد، فمن رأى أن الدلالة قطعية، وهو المشهور عند الأحناف، قال بمنع تخصيصه بخبر الآحاد، إذ لا يخص قطعي بظني.
ومن رأى أنها ظنية على كل فرد بخصوصه أجاز التخصيص.
بأنه اعتقاد مراد المتكلم من لفظه، أو ما اشتمل على مراده.
ثانيا: الحمل، بادئا بتعريفه، بأنه ما يفهمه المخاطب في مراد المتكلم سواء أصاب مراده أم أخطأه.
ومن أسباب الخلاف العائدة إلى الحمل: اختلاف الأصوليين في عموم المشترك، بناء على جواز حمله على معنييه أو معانيه، ذاكرا اختلاف العلماء فيها.
ومما له صلة بذلك: الخلاف في كون العام من باب الكلية، أو هو أعم من الكل والكلي.
ومن أسباب الخلاف أيضا: النظر إلى مادة اللفظ أو صيغته.
ومن أسباب الخلاف التمييز بين المصدر والحاصل بالمصدر. مشيرا إلى ما يندرج تحتها من قواعد مختلف فيها.
وختم بما يتعلق بالاستعمال، وأن مما يتفرع عنه الحقيقة والمجاز، وذكر أن مما له صلة بذلك الخلاف في قاعدة النهي هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا؟ ذاكرا أقوال الأصوليين في ذلك وسبب الخلاف فيها.
العرض الثاني: مسالك الدلالة وأثرها في توجيه الخلاف الأصولي، الدكتور عبد الحميد العلمي
استهل الأستاذ حديثه بتمهيد بين فيه أن استدرار المعاني الشرعية من دوالها الفقهية من آكد ما تتغياه العملية الاجتهادية لذا بات على الناظرين في شرع الله أن يستفرغوا الوسع لضبط طرائق العلم بالوحي. مشيرا إلى أن الإلمام بالمباحث الدلالية مسألة مسلمة في بابها عند أهلها المتحققين بها، فكانت بهذا الوصف هي الأصل الذي يتوقف عليه العلم بطرق فهم النص.
بعد هذا التمهيد حصر مداخلته في مقدمة ومسألتين:
تناول في المقدمة: مسمى الدلالة ومتعلقاتها عند أهل الأصول والميزان والعربية.
حيث وقف على تعاريف ثلاثة:
تعريف المناطقة، وجملة من الأصوليين: وهو كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر.
تعريف جمهور الأصوليين: وهو فهم المعنى من اللفظ إذا أطلق بالنسبة إلى العلم بالوضع.
والثالث تعريف الشهاب القرافي: هي إفهام السامع لا فهم السامع، فيسلم من المجاز ومن كون صفة الشيء في غيره. ذاكرا قيود التعاريف الثلاثة. محيلا في التفاصيل على ورقة المداخلة.
وأما المسألة الأولى: فتناول فيها أثر الدرس الدلالي في توجيه الخلاف الأصولي.
حيث توقف مع مصطلح التوجيه شارحا له عند الأصوليين.
مشيرا أن هذه المسألة فيها ثلاث إفادات:
الإفادة الأولى: ما يدخل في الاحتجاج على الدعوى المطروحة، وهي نفي الخلاف الأصولي في الدلالة. مفصلا في هذه المسألة، ذاكرا الأدلة في ذلك.
الإفادة الثانية: مراعاة العناصر الأساس للخطاب، فلا بد من مراعاة عناصر الخطاب، والتي هي: الخِطاب المخاطِب، والمخاطَب، والمقتضيات العامة للخطاب، ذاكرا نصوص الأئمة في ذلك، منها أن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عاب على
« قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به».
وأشار إلى أن بعضهم زاد أن من المقتضيات العامة للخطاب ما يعرف عندهم بالسياق، موضحا أن الشافعي عقد بابا في رسالته أسماه: باب الصنف الذي يبين سياقه معناه. وأتي بنص للإمام الطبري يقول فيه أنه: «غير جائز صرف الكلام عما هو في سياقه إلى غيره، إلا بحجة يجب التسليم لها من دلالة ظاهر التنزيل ».
وختم بقوله: إن كلام العرب على الإطلاق لا بد فيه من اعتبار المساق.
الإفادة الثالثة: تتعلق ببسط العلاقة بين المسالك الدلالية والمدركات الغيبية، التي بابها الإيمان والتسليم. مشيرا أن المعول عليه في البحث الدلالي هو التعلق بالتشريع، وهو ما يناسب اللزوم الخارجي، وعليه درج المناطقة، حيث تمسكوا باللزوم الخارجي، ولم يتمسكوا باللزوم الذهني.
بينما أهل الشريعة، والأصول، والبيان: أخذوا باللزوم الذهني، معللا ذلك بأن هذا هو ما يؤدي إلى التسليم بما هو غيبي.
إذ إن بعض ألفاظ القرآن تتعلق بدلالة لا وجود لها في الأعيان، فعلى شرط المناطقة لا نأخذ بها، لكن على شرط أهل الأصول نأخذ بها.
وذكر أن قيد الوجودية إما أن يرتبط بمحض الماهية، أو بالمقابلة في التسمية، مثال ما يتعلق بالماهية: قوله تعالى: ﴿إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين﴾، فهذه لا وجود لها في الأعيان، لكن نحن نقول باللزوم الخارجي الذي له تحقق في الأعيان، ونأخذ باللازم الذهني الذي له حضور في الأذهان، وإلا سوف نضيع الغيبيات.
ومثال ما يتعلق بالتقابل في التسمية: آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿وسع كرسيه السموات والارض﴾، وبسط شرحها.
وأما المسألة الثانية، فعرض فيها تجلية ذلك التوجيه بما يناسب من الشواهد الفقهية والأصولية.
حيث ذكر أن الأمر آيل إلى رفع الخلاف في الحقل الدلالي، وبيان بعض توجيهه، وجماع القول فيه مرتب على أمرين: التنظير الأصولي الذي يمكن عده من باب الخلاف، والشاهد الفقهي. حيث اعتبرهما أمرين يحتاج كل منهما إلى ضرب من البيان.
وقد فصل القول فيهما آتيا بمجموعة من الأمثلة والاستشهادات.
الورشة العامة الرابعة:
أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى الحكم ومتعلقاته
منسق الجلسة الدكتور عبد الله السفياني
العرض الأول: أسباب الخلاف الأصولي: محور الأحكام الوضعية، الدكتور عبد المجيد محيب
بدأ الأستاذ محاضرته بشكر اللجنة المنظمة لهذه الدورة، والإشادة بموضوعها لاعتبارات عدة، منها:
ـ كثرة الخلاف الموجود في علم أصول الفقه.
ـ ندرة البحوث المنجزة في الموضوع.
ـ غياب منهج محدد لدراسة القضايا الخلافية بين الأصوليين.
ـ الولع بنقد الخلاف وإن كان تافها.
ـ غياب الدراسة التطبيقية وتغليب الجوانب النظرية.
ثم أجمل الخلاف الأصولي في مباحث الحكم الوضعي في الأسباب الآتية:
1ـ الخلاف في تحديد المصطلحات والمفاهيم، ومثل له بأمثلة منها:
ـ الخلاف في إدخال الحكم الوضعي ضمن مشمولات الحكم الشرعي.
ـ الخلاف في تحديد مفهوم السبب.
ـ الخلاف في تحديد مفهوم الصحة والبطلان.
2ـ الخلاف الكلامي، ومن أمثلته:
ـ الخلاف في علاقة السبب بالمسبب، وكذا العلة.
ـ الخلاف في علاقة القبول بالأحكام الشرعية.
3 ـ الخلاف المذهبي وأثره في الخلاف الأصولي، وأشار الأستاذ إلى أنه موضوع يحتاج وحده لبحث؛ لكون المذاهب الفقهية تختلف فيما بينها في الأصول، قبل الفروع، والاختلاف لا يمكن رفعه، بل يبحث العلماء عن تدبيره.
4ـ الخلاف الناتج عن الإغراق في الجانب التنظيري.
وقد ختم الأستاذ مداخلته بجملة من النتائج والخلاصات، منها:
1ـ الخلاف الأصولي راجع إلى جملة من المصطلحات والمفاهيم.
2ـ كان لعلم الكلام الأثر البالغ في العديد من القضايا الخلافية في مبحث الحكم الوضعي.
3ـ المذهبية الفقهية حاضرة بشكل قوي في الخلاف الأصولي في مبحث الحكم الوضعي.
ثم عقب بتوصيات ركز فيها على منهجية دراسة الخلاف الأصولي، داعيا إلى إرجاع الخلاف الأصولي إلى أصوله، والتفرقة بين الاختلاف الناتج عن اللفظ والناتج عن المعنى، والاعتناء بتحرير محل النزاع بين العلماء، والعناية بضبط المصطلحات الأصولية؛ لكونها الخطوة الأولى في تدبير الاختلاف الأصولي.
العرض الثاني: أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى الحكم والحاكم والمحكوم به، الدكتور محمد الشنتوف
افتتح الأستاذ مداختله بالحديث عن أهمية موضوع الدورة، معتبرا أن العناية بهذا الموضوع سيسد ثغرة في البحث العلمي في الشريعة الإسلامية، ومبينا أن من لم يعرف هذا الخلاف لن يشم رائحة الفقه، كما أوضح أن الاختلاف في القواعد الأصولية أمر طبيعي، راجع إلى اختلاف مدارك الناس وتفاوت زادهم المعرفي، مبرزا أن أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى الحكم والحاكم والمحكوم به عديدة، مقتصرا على ذكر بعض النماذج، منها:
1ـ اختلاف الأصوليين في الحاكم على الأشياء بالحسن أو القبح، قبل ورود الشرع، هل هو العقل أم الشرع؟ والخلاف في ذلك معروف بين المعتزلة والجمهور، وبعد الاتفاق على أن الله لا يفعل بعباده إلا خيرا، وقع الاختلاف في فعل الأصلح، هل هو على الوجوب أم لا؟
2ـ الاختلاف بين الأصوليين في تقسيم الحكم، ومن أمثلة ذلك: المباح، هل يدخل في الحكم التكليفي أم هو مستقل بنفسه؟
3ـ الاختلاف في المصلحة المرسلة، وما مدى الأخذ بها في المذاهب الفقهية، وكون المذهب المالكي يعتمد عليها أكثر من غيره.
4ـ الاختلاف بين الأصوليين في معرف الحكم ومُظهِره، وقع الإجماع على أن الله هو الحاكم بعد ورود الشرع، لكن اختلف في مظهره هل هو العقل أم الشرع؟ فذهب المعتزلة إلى الأول، وذهب غيرهم إلى الثاني.
5ـ الاختلاف بين الأصوليين في وقت توجه الخطاب، وهو خلاف واقع بين جمهور العلماء.
6ـ الاختلاف المتعلق ببعض القواعد الأصولية، وأبرز مثال على ذلك: الاختلاف في الواجب الكفائي، هل يتعلق ابتداء بجميع المكلفين، أو ببعض غير معين.
وثمرة الخلاف هل يسقط فرض الكفاية بعد الشروع أولا؟
7ـ من أمثلة الخلاف في المحكوم به:
ـ الخلاف في التكليف بما لا يطاق.
ـ الخلاف في تكليف الكفار بفروع الشريعة.
ثم ألمح الأستاذ المحاضر في ختام المداخلة إلى أن الموضوع كبير جدا، والوقت لا يتسع لذكر جميع مسائله.
العرض الثالث: أسباب الاختلاف في الحكم التكليفي، الدكتور محمد بلحسان
بدأ الأستاذ كلمته بالإشارة إلى أهمية البحث في موضوع علم الأصول؛ فذكر أن هذا العلم تأثر بمجموعة من العلوم، منها علم الفقه، واللغة، وعلم الكلام،حتى إن بعضهم قال فيه : هو نبذ جمعت من علوم متفرقة.
ثم بين أن مبحث الحكم التكليفي اختلفت حوله الآراء، هل يدخل في صلب مباحث علم الأصول أم هو من ملحه ومقدماته.
ثم عرض لمجموعة من القضايا الخلافية في مبحث الحكم التكليفي:
1ـ هل الحكم الشرعي خطاب الله تعالى أو كلامه القديم الأزلي؟
الجمهور على أنه خطاب الله تعالى، وذهب القرافي: إلى أن الحكم الشرعي هو كلام الله القديم، وسبب هذا الخلاف يرد إلى أمرين:
ـ الكلام القديم هل يطلق عليه الخطاب أم لا؟
ـ هل الكلام النفسي يسمى كلاما أم لا؟
وهذا يرجع إلى الخلاف الكلامي بين أهل السنة والمعتزلة.
ولا ينبني على هذا الخلاف حكم عملي، اللهم ما يتعلق بالانتصار لمذهب معين.
2ـ الواجب المخير بين أشياء، هل الواجب واحد بعينه أو الجميع؟ والسبب راجع إلى التحسين والتقبيح العقليين.
3ـ التحريم، هل يمكن أن يتعلق بواحد لا بعينه عن طريق التخيير أم لا؟
وسبب الخلاف في هذه المسألة أيضا راجع إلى التحسين والتقبيح العقليين وهي مسألة افتراضية لا وجود لها.
4ـ هل المباح مأمور به أم لا؟
وسبب الاختلاف في هذه المسألة مبني على الاختلاف في تفسير التكليف، ولا يترتب على هذه المسألة شيء عملي، كما صرح بذلك الآمدي وابن الحاجب.
5ـ الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية.
الفرض ما ثبت بدليل قطعي والواجب ما ثبت بدليل ظني عند الأحناف، والجمهور لا يفرقون بين الفرض والواجب في الاصطلاح، والتحقيق أن هذه المسألة بنيت على الأصل الحنفي “الزيادة على النص نسخ”.
وثمرة الخلاف: أن الأحناف يكفرون جاحد الفرض؛ لأنه ثبت بدليل قطعي، ولا يكفرون جاحد الواجب؛ لأنه ثبت بدليل ظني، والجمهور يتفقون معهم في هذه النتيجة، وبذلك يكون الخلاف لفظيا.
لقاء مفتوح مع الأستاذ الشيخ مولود السريري
تقديم الدكتور محمد العلمي
على هامش اليوم الثاني من الدورة عُقِد لقاء مفتوحٌ ثانٍ مع فضيلة الأستاذ الشيخ مولود السريري، بعد صلاة المغرب مباشرة، حضرها جمع من الطلبة المشاركين.
مهد الأستاذ المحاضر لهذا اللقاء بالتنبيه على قضيتين مهمتين:
أولاهما: تتعلق بعلم أصول الفقه.
وثانيها: ترتبط بعلم الفقه.
أما القضية الأولى، فاستهل الحديث عنها بالإشارة إلى أن علم النظر مركب من معرفة ثلاثة أمور:
1 ـ معرفة اللغة العربية، 2 ـ معرفة الأدوات التي تختص بعلم الفقه، 3 ـ معرفة علم أصول الفقه.
واعتبر أن الاضطراب في الإدراك، والاضطراب في استعمال المُدرِك أساسه فَقْدُ النظر الذي يوصل إلى المطلوب، وأن العلوم الشرعية كلها مبنية على هذا الأمر، وهو القدرة على التصرف في النظر على الوجه الذي يحقق هذه الغاية.
وألمح الأستاذ إلى أن الفقه الإسلامي يحتاج في التصرف فيه إلى العلم بالتوجيه، والعلم بالتأويل، والعلم بإدراك الفروق بينهما.
وأن ما ينبغي أن نسعى إليه هو الحصول على هذا الأمر على وجه التفصيل والجملة؛ لأن المشكلة العظمى الآن هو انصراف الناس عن طلب العلم لفقدهم هذا الفن على وجهه الصحيح.
ثم بعد ذلك ذكر الأستاذ أن علم الأصول سهل؛ لأنه محدد الموضوع؛ إذ ليس مركبا إلا من شيئين:
* معرفة الدليل.
* معرفة حقيقة جزئيته وعوارضها.
موضحا أنه لو قُدِّر أن حُدِّد هذا العلم بهذه الطريقة؛ لأمكن للطالب الحصول عليه بيسر.
وبناء على ذلك، ـ يقول الأستاذ ـ فإن الطريقة التي تمكن من التبَصُّر في علم الأصول هي الحصر، حصرُ مواضعه، ومطالبه.
ومثل الأستاذ المحاضر لذلك بقوله: فلو قُدر أن طالبا أراد أن يدرس علم أصول الفقه، فدرس أولا الكتاب، القرآن الكريم، الذي هو الأصل الحقيقي للشريعة الإسلامية على الجملة والتفصيل، فعرفه على ما تقتضيه قواعد التعريف، ثم بدأ بجزئياته التي يتعلق بها النظر الأصولي: ـ صيغة الطلب، ـ والصيغ الدالة على المحكوم عليه، ـ والألفاظ التي ترتبط بها الأحكام الشرعية.
وما قيل في القرآن، يقال في السنة النبوية، وبذلك سنملك زمام التصرف في هذا العلم بسهولة ويسر.
ثم أورد الأستاذ جملة من الإيرادات والشُّبه على علم أصول الفقه، مفندا إياها، ومن تلك الإيرادات ما يلي:
أولا: يقول البعض: إن هذا العلم معقد؟
فأجاب الأستاذ بأن التعقيد اقتضاه تصوير الكلام على مستوى هذا الفن، واقتضاه واقع هذا العلم، وهو أمر ثابت.
ثانيا: ويقول البعض أيضا: إن علم أصول الفقه مثقل بفنون يجب التخلص منها؛ لأنها ليست من أصول الفقه.
ومثل لذلك بعلم الكلام، ثم أوضح أن علم الكلام يوجد في التعاريف فقط، وما تفرع من ذلك مما لا بد من حسم أمره، مردفا أنه لا بد منه، وأتى بأمثلة على ذلك، منها: «حكم الله» كيف نفسره؟
ومبينا أن الحكم هنا نوع من الكلام، ومعلوم أن تعريف النوع لا بد أن يكون بالفصل أو بالخاصة، فلو عرفنا الكلام على طريقة الأشاعرة، وقلنا: ما يقوم بالذات الداخلة، ويختلف باختلاف العبارات، فلو أردت أن أعرف النوع، فلا بد من هذه القضية، وأين أجد هذا الفصل؟ من صفات تتعلق بالله تعالى، فينخرط الناظر في علم الكلام وجوبا.
ثالثا: قال قوم: إن التعاريف المنطقية أيضا أدرجت في هذا العلم من غير حاجة إليها.
وهنا تساءل أيضا: أين هذه المسألة المنطقية المدرجة ولم يحتج إليها، مفندا ذلك الادعاء.
رابعا: بعض الناس يقول: إن الكتب المحشاة كتب لا تليق بالأصول.
وأجاب عن هذا: بأن الأصوليَّ لا يتعلم فقط المعلومة، وإنما الأصولي عقله له خصائص، فالأصولي له عقل يتخذ به ما يعلق بذهنه من الأمور بطريقة خاصة، إذا كنا نريد أن نكتسب الملكة فلا بد أن نسير على طريقة المتقدمين المباركة.
خامسا: البعض يقول: لقد بسَّط البعض هذا العلم، ولا نحتاج أن نقرأ كتب من تقدم؛ لأنها كتب صعبة. فأجاب عن هذا موضحا أن كل مادة علمية فيها طرفان:
أ ـ طرف أدنى، وهو العلم بالمعلومة.
ب ـ وطرف أعلى: اكتساب الملكة.
متسائلا عن الغرض الذي ينشده طالب هذا العلم، هل تحصيل المعلومة أو اكتساب الملكة؟ مستشهدا بأمثلة لتوضيح هذه القضية.
أما ما يتعلق بعلم الفقه، وهو القضية الثانية، فأشار إلى أن كثيرا من الطلبة ينفرون من الفقه، ويقولون: إن هذا الفقه غير مؤصل، ليس له مآخذ.
وفند الأستاذ هذا الكلام؛ لأنه يقال بلا حجة. واعتبر أن هذا راجع لضعف المدارك المعرفية.
وأكد أنه لا يوجد فرعٌ فقهي في المذاهب الأربعة ليس له دليل، مبينا أنه ليس الدليل بشرط أن يكون في صحيح البخاري أو صحيح مسلم، فالدليل عند المالكية على خمسة أوجه: محيلا في هذه المسألة على كتابه: “القواعد المنهجية في مذهب السادة المالكية”.
ونبه إلى أن بعضهم يقولون: إن الإنسان إذا قرأ كتاب فقه، فإنه تصرف خارج الشريعة، من أين يأتي هذا إذا كان خارجا عن الشريعة.
كن على يقين أنك لو كنت بصيرا في الفقه لوجدت الدليل، كفرع فيه دليل، ولكن قد يكون مناط الحكم المرشد إليه خفيا.
هذه مسألة ينبغي على الطلبة أن يجدوا في البحث عنها، فإنها التي ترد إلى هذا الدين قوته.
مؤكدا على أن هذه المسألة لا يمكن أن تتضح على الوجه الصحيح إلا بتنزيل هذه المسائل على الفروع، وأتى بجملة من الفروع لبيان ذلك، منها: ما يراه البعض من بدعية التسليم على الإمام، والتسليم على المأموم إن كان باليسار.
ثم أشار أيضا إلى قواعد تتعلق بطريقة التنزيل، وهو علم مهم؛ لأن فيه تنزيل الأدلة الشرعية على المفردات، والتنزيل على المفردات لا يصل إليه إلا أرباب العلم الشرعي، الذين يقومون بتحقيق المناط.
مبينا أن القصد من إيراد هذه المسألة هو أنك ترى كثيرا من الناس بمجرد ما ينظر إلى أمر، ينزل الحكم دون أن يعلم هل تحقق المناط أم لا؟
بعد هذا التمهيد، أجاب الأستاذ الفقيه عن جملة من أسئلة الباحثين المشاركين في الدورة، جلها لها علاقة بعلم أصول الفقه، كقضية تجديد علم أصول الفقه، واستقلالية علم المقاصد عن علم أصول الفقه، وقضية القطع والظن في الأصول، ودواعي تغير الأحكام، وخرق الإجماع بالمصلحة، وحجية القواعد الفقهية، ودعوى الاجتهاد المطلق، وسد باب الاجتهاد، وغيرها من القضايا.
اليـوم الثـالـث:
الورشة العلمية الخامسة:
أسباب الخلاف الأصولي العائدة للنص الشرعي (رواية وأداء)، والإجماع
منسق الجلسة الدكتور الأمين قريوار
العرض الأول: أسباب الخلاف الأصولي العائدة للنص الشرعي رواية وأداء (الكتاب العزيز)، الدكتور الجيلالي المريني
افتتح الأستاذ مداخلته بشكر الرابطة المحمدية وكلية أصول الدين على تنظيمهما لهذه الدورة الجليلة المهمة، كما شكر الطلبة على حرصهم ومتابعتهم.
ثم مهد عرضه بالحديث عن أسباب الخلافات الأصولية التي تكتسي أهمية بالغة؛ لأنه أهم سبب من أسباب الاختلاف بين الفقهاء، وأنه يقرب بين المذاهب انطلاقا من القاعدة الأصولية الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، ولا سيما وأن معظم القواعد الأصولية مختلف فيها، وأبرز ما يشهد لذلك الاستقراء والتتبع، ولهذا كان البحث في هذا الموضوع، مشروعا مهما له فوائد ونتائج، ومقاصد ومكانة.
ثم ذكر أن من أهم القواعد الأصولية المختلف فيها وفي تطبيقاتها، قاعدة هل ذكر بعض أجزاء العام يخصص العموم؟ فذكر معنى القاعدة، واختلاف علماء الأصول فيها فالجمهور أن ذكر أفراد العام لا يخصص العام، والرأي الثاني لأبي ثور الذي قال إن ذكر بعض أفراد العام يخصص العام، ثم ذكر أدلة الجمهور على حجية هذه القاعدة: من ذلك أن العموم باقي على عمومه فيستصحب هذا العموم، وأن لا تعارض بينهما، وأن المخصص للعام لا بد أن يكون بينه وبين النص العام منافاة، ثم ذكر أدلة المانعين: من ذلك أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، وأن المفهوم حجة وأنه ينافي العموم، ثم أشار إلى سبب اختلاف الأصوليين في هذه القاعدة وهو مفهوم اللقب، ليستعرض بعد ذلك تطبيقات القاعدة من القرآن والسنة.
ثم أتبع بالقول إن عمل أهل المدينة يخصص العام ويقيد المطلق ويقدم على الخاص، وذكر أن القاعدة عند علماء القرويين أن عمل أهل المدينة يخصص العام ويقيد المطلق ويقدم على الخاص، وأن كل المصارف الإسلامية المعاصرة تعمل بعمل أهل المدينة في بعض المسائل منها: أنه يجوز بيع أي شيء قبل قبضه إلا الطعام، وهذا عمل أهل المدينة.
وختم الأستاذ عرضه باستنتاجات ونتائج من أهمها:
ـ أن البحث في أسباب الخلاف في القواعد الأصولية مشروع مهم لأمرين اثنين، الأمر الأول للتقريب بين المذاهب، والأمر الثاني للترجيح.
ـ إن عمل أهل المدينة له أثر كبير في القواعد الأصولية والفروع الفقهية، لأن عمل أهل المدينة يخصص العام ويقيد المطلق ويقدم على الخاص.
ـ الاختلاف في القواعد الأصولية هو الغالب.
ـ قال المالكية لا يجوز الاستدلال بالقرآن والسنة لغير المجتهد.
العرض الثاني:أسباب الخلاف الأصولي العائدة للنص الشرعي رواية وأداء (السنة الشريفة)، الدكتور محمد السرار
بدأ الأستاذ المحاضر محاضرته بتقديم جزيل الشكر لكلية أصول الدين، وللسادة الأساتذة وجمهور الطلبة الذين كانوا أسس نجاح هذه الدورة التكوينية، وشكر رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي على هذه السنة الحسنة وهي إقامة هذه القوافل المعرفية من خلال الدورات التكوينية بالجامعات المغربية.
ثم تحدث بعد ذلك عن السنة الشريفة، حيث أكد أن عين الناظر في الأصول لا تكاد تخطئ في كون مباحث هذا العلم تنقسم إلى قسمين رئيسين:
أما القسم الأول فلاحظ أن هذا العلم تضمن مباحث استبد بها، وانفرد ببحث قضاياها وتقرير مسائلها، كغالب مسائل الإجماع والقياس.
وأما القسم الثاني: من مباحث علم الأصول فهي من المباحث التي توارد عليها هذا العلم مع علوم أخرى.
وبين الأستاذ المحاضر أنه إذا كان دور الأصولي هو إدراك القواعد أو العلم بالقواعد، أو هو نفس تلك القواعد، فإن جميع مباحث هذا الفن ترجع إلى الأدلة والأحكام، من حيث إثبات الأدلة من الأحكام، وثبوت الأحكام بالأدلة، وأما علم الحديث في أدق تعاريفه فهو معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي من حيث القبول والرد، وعليه فمدار علم الحديث هو الخبر من حيث ثبوته وما ينخرم به هذا الثبوت من عوارض، ثم راوي ذلك الخبر من حيث وجود أهلية الرواية فيه، التي تستلزم مع شروط أخرى القبول وما يعرض لهذه الأهلية، من جهة العدالة ومن جهة الضبط من عوارض تنخرم به هذه الأهلية وذكر أن جميع مباحث علم الحديث تتلخص في هذا.
ثم أوضح أنه ليس من شك أنه لا يمكن أن يتولج بسلام إلى تحديد العلاقة الجامعة بين مباحث علم الأصول ومباحث علم الحديث ومصطلحه وقضاياه المشتركة بينهما إلا من خلال التحديد الدقيق لمجال من مجال العلمين المذكورين لئلا يتداخلا الفنان.
وقد انتقى من المسائل الخلافية في علم الحديث بعض النماذج فتناولها بالشرح والتفصيل، مع ضرب الأمثلة لكل مسألة، وبيان سبب الخلاف فيها، مثل مسألة الحديث المرسل، التي وقع فيها خلاف كبير بين العلماء، ونتج عن ذلك الاختلاف في كثير من الفروع الفقهية، وهي مشهورة معروفة،منها: القهقهة في الصلاة هل تبطل الصلاة والوضوء معا أو لا؟ ومبنى الخلاف في هذه المسألة: هو هل يكتفى بما يدل عليه عمل المرسِل، الذي هو التابعي من جزمه بعدالة من أسقطه من السند، أو لا يكتفى بذلك؟ وعليه فمن قبل المرسل وهم المالكية والأحناف يرون أن التابعين لم يرسلوا إلا عن عدل.
ثم استرسل في الحديث عن مسألة أخرى، وهي نسيان الراوي لروايته، هل يسقط ذلك الحديث أم لا؟ مشيرا إلى أن هذه المسألة يدخلها العلماء في قضية كبرى، يسمونها بجحد الشيخ للمروي عنه، ويقسمون هذا الجحد إلى قسمين:
القسم الأول: جحد بجزم، كأن يقول الشيخ كذب الراوي علي، أو يقول جازما: ما رويت هذا، فهذا الضرب اتفق الأصوليون والمحدثون على رده، ولم يطعنوا لا في الشيخ ولا في الراوي الآخذ عنه.
وأما القسم الثاني: فهو جحد بغير جزم، كأن يقول: لا أدري، أو نسيته، أو لا أعرفه، فهذا الضرب هو الذي اختلف العلماء فيه، وهذه المسألة من المباحث المشتركة أيضا بين الأصوليين والمحدثين، فالجمهور من المحدثين والأصوليين على قبول رواية الراوي يحدث بالحديث ثم ينساه، ويحدث عنه به الثقة، ولم يجعلوا نسيان الشيخ طعنا في الراوي، ولا موجبا لرد الحديث، لا سيما أن وقوع هذا الضرب في الحديث كثير جدا، وقد لفتت كثرته المحدثين فألفوا فيه كتبا عديدة، أشهرها كتاب الدارقطني فيمن حدث ونسي.
والوقوع مع عدم الرد به من أقوى أدلة الجواز.
وسبب الخلاف في هذه المسألة وغيرها من قضايا الأخبار، الاختلاف في قضية كبرى، وهي هل الرواية كالشهادة أم لا؟ فالعلماء في هذا الباب جعلوا الشهادة أصلا، قاسوا عليها الرواية، ولذلك ردوا كثيرا من صور الرواية، لأنهم قاسوها على الأخبار، ومنها هذه المسألة، ذلك لأن الفرع تبع للأصل في الشهادة، وكذلك الحديث.
ثم ذكر مسألة الحديث يروى مسندا لا انقطاع فيه، ويرسله التابعي فهل يقبل المسند دائما أم لا؟ وكذلك الحديث يكون موقوفا ويكون مرفوعا، يكون موقوفا عن الصحابي ثم نفس المتن يرفعه أحد الرواة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما العمل في هذه الحالة إذا روي الحديث الواحد بالوجهين؟ فذكر أن ما عليه جمهور الأصوليين أنه إذا تعارض الرفع والوقف اعتبروا الحديث مرفوعا، وإذا تعارض الإسناد والإرسال عدوه مسندا وجعلوا هذا من باب قبول زيادة الثقة.
وختم الاستاذ محاضرته بالقول: إن مسائل الأخبار التي وقع فيها الخلاف بين الأصوليين والمحدثين إذا أرجع فيها الخلاف إلى أسبابه أمكن للإنسان أن يعرف عمل المحدثين والأصوليين في هذا الباب.
العرض الثالث: جملة من مباني الخلاف في قواعد الإجماع عند الأصوليين، الدكتور محمد العلمي
مهد الأستاذ لمداخلته بالحديث عن أهم مباني الخلاف في مسائل الإجماع، التي استقرأها من “شرح تنقيح الفصول” للقرافي، و”البحر المحيط” للزركشي، وصنفها في ستة أصول على الشكل الآتي:
1ـ ما يؤول إلى حجية الإجماع
2ـ ما يؤول إلى الإجماع كدليل
3ـ ما يؤول إلى الحكم المجمع عليه
4ـ ما ينبني على الخلاف في مستند الإجماع
5ـ ما بني على مسائل الإجماع
6ـ ما بني على مسائل الاجتهاد
ثم أشار إلى أن هناك بعض المسائل التي تند عن هذا مثل مسألة معنى الإجماع لغة هل هو الاتفاق أو العزم؟ وما انبنى على هذا الخلاف إذا كان مجتهد واحد في العصر، وقال أفتى هل يعتبر إجماعا أم لا؟
ثم ذكر أن حجية الإجماع فيها أمران، الأمر الأول المسائل التي وقع فيها الاختلاف قبل تقرر حجية الإجماع، واكتشف فيها أربعة أسباب: 1 ـ هل يمكن اجتماع الدواعي على الرأي الواحد؟ 2 ـ هل المعتبر قول الأمة، أو قول الإمام المعصوم؟ 3 ـ هل يحتمل الخطأ على الأمة مجتمعة كما يحتمل من الأفراد؟ أو: الأمة هل يمكن أن تتفق على الخطإ؟ أو أن الأمة مخصوصة بعدم الاتفاق على الخطإ كرامة وسمعا؟ 4 ـ انتشار الفقهاء المجتهدين في أقطار الأرض، هل يمنع من نقل آرائهم عادة مع انتفاء الدواعي، أم لا؟
ثم ذكر مجموعة أسباب متعلقة بحدود حجية الإجماع منها: هل الإجماع دليل عصمة الأمة عن الخطإ، فلا ينحصر في عصر من العصور، أو دليل على مشاهدة التوقيف، فيختص بالصحابة؟ هل العصمة للأمة أو للعترة؟ هل يقال للواحد أمة، أم لا بد من العدد المتواتر؟ ما أجمعت عليه العامة والخاصة، هل العامة مقصودة فيه؟ الخطأ هل يتصور من الأمة في الأمور الدنيوية، باعتبارها أمورا دنيوية محضة، أم أن الأمور الدنيوية دينية بالتبع، بعد حصول الإجماع عليها، فلا يتصور خطأ الأمة فيها؟ هل الصيغ الواردة بخيرية الأمة ووسطيتها إنما وضعت للمشافهة، فتختص بالصحابة، فيختص الإجماع بعصرهم، أو أنها صيغ لا تختص بعصر، فيكون الإجماع حجة مطلقا؟ هل للصحبة تأثير في الإجماع أم لا؟
بعد ذلك عرج للحديث عن المحور الثاني وتحدث عن الإجماع كدليل، وذكر فيه مجموعة من الأسباب منها: 1 ـ الإجماع هل هو من دلالة العقل أو السمع. 2 ـ الإجماع هل هو دليل أم دليل الدليل؟ 3 ـ هل يشترط في المدلول الواحد أن يكون بدليل واحد على وزان العلل العقلية، أم يمكن للمدلول الواحد أن يكون بدليلين؟ 4 ـ هل الحكم هو دليل الخطاب، أو هو مطلوب الدليل؟ 5 ـ دليل الأصل هل يشترط كونه مقطوعا به؟ 6 ـ الدليل العقلي، هل يستغني بنفسه، لكونه أصل الحجج الشرعية، فيثبت به ولا يثبت بها، تحرزا من الدور، أم يمكن للدليل العقلي الاعتضاد بغيره من الأدلة؟ 7 ـ الدليل على الحكم هل هو كالحكم؟ 8 ـ من أنكر طريقا في ثبوت الشرع لم يكفر، ومن اعترف بكون الشيء من الشرع ثم جحده، كان منكرا للشرع، وإنكار بعضه كإنكار كله.
لينتقل الأستاذ للحديث عن المحور الثالث الذي هو ما يدل على الحكم الذي يحصل الإجماع باتفاق أهله، وذكر فيه أيضا مجموعة من الأسباب منها: 1 ـ لا ينسب لساكت تعيين قول إذ السكوت عدم محض، والأحكام الشرعية لا تستفاد من العدم. أو نقول: السكوت مع العلم إقرار إذ لا يتصور سكوت أهل الحجة عن منكر. 2 ـ فعل أهل الإجماع، هل هو كفعل الشارع عليه السلام؟: دلالة الفعل من المجتهد، هل هي كدلالة القول، كما في حق الشارع، أو أن الفعل قاصر وخاص به، فلا دلالة لانتسابه للشارع؟ أو تحكم العادة؟ 3 ـ حجج الأقوال آكد من حجج الأفعال، أم: العمل محقق للقول؟ 4 ـ هل الصريح كاللازم والمخرَّج؟
وأما المحور الرابع: وهو ما ينبني على الخلاف في مستند الإجماع، فقد استعرض فيه مجموعة من الأسباب من ذلك: 1 ـ الإجماع المنعقد على دليل، هل منعقد على الحكم أو على دليله؟ 2 ـ اتفاق أهل المدينة، هل هو تواتر ونقل مستفيض، فيكون سنة، أو هو اتفاق مجتهدين، فلا يكون إجماعا ولا حجة؟ 3 ـ القياس غير الجلي هل هو حجة شرعية، وهل يكون أصلا للقطع؟ 4 ـ الإلهام هل هو دليل، أم لا؟ 5 ـ الإجماع هل هو حجة شرعية مثل السنة والقياس، فيتعبد بمقطوعه ومظنونه، أو يقال اجتماع الكافة على القول الواحد هو ما جعل من الإجماع حجة، فلا ينزل عن درجة القطع؟
ثم ختم الأستاذ عرضه بذكر بعض المسائل المهمة التي يتوقف عليها الإجماع وهي اشتراط انقراض العصر هل هو شرط في الإجماع أم لا؟ وقال أن هذه القاعدة انبنت عليها مجموعة قواعد منها: إذا ذكر أحد المجمعين خبرا عن الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد بضد الحكم الذي انعقد عليه الإجماع، هل يجب البقاء على الإجماع أو الرجوع للحديث؟ انعقاد الصحابة هل ينعقد إذا خالف التابعي؟ هل يجوز أن يجمع المجتهدون على الحكم ثم يرجع عنه كله أو بعضه؟ المختلفون على قولين هل يجوز لهم إحداث قول ثالث؟ لو أدرك أحد التابعين الصحابة هل يجوز لهم إحداث قول ثالث؟
الورشة العامة السادسة:
أسباب الخلاف الأصولي العائدة إلى القياس والمصلحة
منسق الجلسة الدكتور إبراهيم إمونن
العرض الأول: أسباب الخلاف الأصولي في مباحث القياس، الدكتور عبد الرحيم الأمين
افتتح الأستاذ المحاضر مداخلته بشكر الجهات المنظمة وكل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح هذا الحفل البهيج.
ثم وضح أنه تتبع القضايا الخلافية في مبحث القياس فوجدها كثيرة جدا، على الخصوص من خلال متن جمع الجوامع وشروحه؛ لكن لضيق الوقت اقتصر على ذكر أهم هذه القواعد و قسمها إلى ثلاثة محاور:
المحور الأول: الخلاف الأصولي العائد إلى مفهوم القياس وحجيته عند الأصوليين.
المحور الثانـي: الخلاف الأصولي العائد إلى أركان القياس.
المحور الثالث: الخلاف الأصولي العائد إلى علاقة القياس بغيره.
كما بين أن كل محور من هذه المحاور يحتوي على مجموعة من القواعد، لا يسع المقام لذكرها كلها.
ومن خلال تتبعه لأسباب الخلاف في هذه القضايا الأصولية المرتبطة بباب القياس وجدها تتنوع بين أسباب ترجع إلى النصوص، و أسباب ترجع إلى الرأي و العقل، و أسباب ترجع إلى علم الكلام، و أسباب ترجع إلى قواعد أصولية أخرى، (يعني أن بعض القضايا الأصولية في القياس ترتبط بالاختلاف في قواعد أصولية أخرى)، و منها ما يرجع إلى المفاهيم والاصطلاحات (أي إلى تحديد بعض المفاهيم)، وأيضا هناك ما يرجع إلى قضية القطع و الظن؛ هذه كانت أهم القواعد.
– ثم عرض بعض نماذج الخلاف الأصولي في مفهوم القياس.
– والقياس له عدة معاني من الناحية اللغوية أهمها: التقدير والقياس والمساواة و قد اختلف في هذا: هل هو حقيقة فيهما معا، فيكون من قبيل المشترك؛ أو هو حقيقة في التقدير مجاز في المساواة؛ و مما يترتب على هذا الخلاف من الناحية اللغوية، أن استعمال التسوية يترتب عنه الاختلاف في مفهوم القياس من الناحية الاصطلاحية.
بالنسبة للإطلاق الاصطلاحي للقياس:
– الأول: القياس يطلق على الرأي المحض.
– الثاني: القياس يطلق على مقابل التعبد.
– الثالث: القياس يطلق عند المناطقة ويراد به الاستدلال بالكلي على الجزئي. (وهذا النوع من القياس لا يعتمد عليه الأصوليون ولا يعتبر دليلا شرعيا، نظرا لأن الأقيسة المنطقية ليست لإثبات الأحكام وإنما للربط بين شيئين متلازمين).
– الرابع: القياس يطلق على الاستدلال بالجزئي على الكلي وهو ما يسمى بالاستقراء عند المناطقة.
– الخامس: القياس و هو الاستدلال بالجزئي على الجزئي وهذا هو القياس عند الأصوليين و هو ما يسمى عند المناطقة بالتمثيل.
كما قال صاحب السلم :
وإن بجزئي عـلى كلي اسـتـدل ** فذا بالاستقراء عندهم عـقــل
وعكسه يدعى القياس المنطـقي ** وهــو الـذي قدمــته فـحــقـق
وحيث جزئي عـلـى جزئي حمل ** لجـامــع فــذاك تـمـثـيل جـعل
ولا يـفـيـد الـقـطع بـالدليـل ** قـيـاس الاستــقــراء والتـمثيل
ثم أشار الأستاذ المحاضر إلى أن العلماء الأصوليون اختلفوا في تعريف القياس اختلافات كثيرة، وذكر مسألة واحدة وقع فيها الخلاف نظرا لما يترتب عليها من آثار، وهي: هل نعبر بالمساواة أو بالتسوية؟ هل نعبر بمساواة فرع لأصل أو بتسوية فرع لأصل؟ من أين جاء هذا الخلاف؟
هذا الخلاف جاء من اعتبار القياس أهو دليل شرعي قبل نظر المجتهد فيه سواء نظر فيه أو لم ينظر، أم هو عمل المجتهد.
على الاعتبار الأول: فالقياس دليل شرعي موجود قبل اجتهاد المجتهد وضعه الشارع لمعرفة حكمه سواء نظر فيه المجتهد أو لم ينظر وعمل المجتهد إنما هو مُظهر أو كاشف لذلك الدليل.
على الاعتبار الثاني: فالقياس هو المثبت للدليل.
فالقياس من عمل المجتهد وهو ما اختاره جمهور الأصوليين.
ثم ذكر بعد ذلك جملة من التعاريف للعلماء في هذا الباب كالآمدي وابن الحاجب والزركشي والشوكاني والقاضي أبي بكر الباقلاني والبيضاوي وكذلك ابن السبكي.
وبعد عرضه للتعاريف وتوضيح رأي العلماء في هذه المسألة، انتقل إلى مسألة ثانية وهي المتعلقة بحجية القياس، واعتبره أمرا في غاية الأهمية.
– فقضية حجية القياس هي قضية تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: و هو القياس المتفق على الاحتجاج به، وهو ينقسم إلى أمرين :
الأمر الأول : القياس المتعلق بالأمور الدنيوية، الأمور التجريبية كالأدوية والأغذية و ما إلى ذلك، كما قال الرازي رحمه الله تعالى.
والأمر الثاني: و هو القياس الصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذان النوعان من القياس وقع الاتفاق بين العلماء على الاحتجاج بهما.
النوع الثاني: وهو القياس المختلف فيه و هو القياس الشرعي، وقد انقسم العلماء كذلك على آراء منها:
الرأي الأول: أنه حجة بإطلاق، واستدلوا عليه إما بالشرع و إما بالعقل أو بهما معا.
الرأي الثاني: الذي ينكر القياس جملة و تفصيلا، و ممن قال بذلك داود الظاهري حتى قال عنه القاضي أبو الطيب الطبري «إن القياس محرم» فحكى عن داوود و النهرواني أن القياس محرم بالشرع.
أيضا القياس مبني على العلة(ومن أنكر التعليل أنكر القياس).
كما عرج أيضا على قضايا أخرى اختلف فيها القائلون بالقياس، منها القياس في الحدود و الكفارات و الرخص و التقديرات، و أساس هذا الخلاف أن الحدود مثلا مشتملة على تقديرات لا تعقل، وكذلك في قضية الكفارات، وقضية الرخص التي اعتبروها منحا من الله سبحانه وتعالى، كذلك في قضية الأسباب و الشروط و الموانع أيضا هناك من أنكر القياس فيها.
ثم بين الأستاذ المحاضر أن هذه الآراء كلها تدل على أن علماءنا كانوا متحررين قادرين على الإقناع و كل واحد يتشبث بما وصل إليه اجتهاده، لكن خلاصة الأمر أن المعتمد القياس فيه ثلاثة أطراف: طرف ينكره جملة، وطرف يقر به و يغالي فيه ، و طرف يقبله و لكن بشروط و ضوابط.
وختم الأستاذ كـلمته في الأخير بالتذكير بأهم هذه القواعد الأساسية التي تناولها في هذا العرض.
العرض الثاني: الخلاف الأصولي وأسبابه في مجال الاجتهاد التنزيلي والبياني، الدكتور محمد مصلح
مهد الأستاذ المحاضر مداخلته بالإشارة إلى نقطتين:
الأولى: أنه تعمد الجمع بين قِسْمي الاجتهاد: الاجتهاد البياني المكلف أهله باستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها. والاجتهاد التنزيلي المتعلق بتحقيق المناط الخاص في التنزيل، من أجل أَنَّ قراءة الاجتهاد التنزيلي من خلال كتب النوازل تعطي للطالب فرصة للوقوف على منهج الأصوليين والفقهاء في كيفية تحويل الخلاف المجرد إلى الواقع، وأشار إلى أن الدارس لكتب النوازل يكتشف أن كثيرا من الاختلافات الأصولية في مجال الاجتهاد من خلال التوظيف تتقلص دائرتها إلى حد كبير.
وهنا وجه دعوة للطلبة الباحثين للاعتكاف على قراءة كتب النوازل؛ لتذوق طريقة الفقهاء في كيفية ربط الحكم بالنازلة للوقوف على الآليات التي تستدعى في مجال التطبيق.
الثانية: تتمثل في طبيعة الخلاف الأصولي المجرد في مجال الاجتهاد البياني والتنزيلي حيث ذكر أنه بالرجوع إلى كتب الأصول عند المتقدمين والمتأخرين نلحظ أن هنالك خلافات عند المتقدمين حُسمت عند المتأخرين أو ضيقت على الأقل، إما بالترجيح أو الأكثرية أو أحيانا بالإجماع.
كما أن كثيرا من الاختلافات التي لا نجد لها ذكرا للمتقدمين نجدها كثيرة عند المتأخرين خاصة عند ظهور مرحلة التقليد.
وبعد هذا التمهيد حدد بعض القضايا الخلافية في مداخلته، وهي:
1 ـ تجزؤ الاجتهاد، 2 ـ التلازم بين الاجتهاد البياني والتنزيلي، 3 ـ التصويب والتخطيء في الاجتهاد، 4 ـ الخروج عن المذهب، 5 ـ التخيير والتوقف في حال تساوي الدليلين أو الأدلة عند المجتهد، أو الأقوال عند المقلد كيف يتصرف هل يتوقف أو يختار أو يخير المستفتي، 6 ـ التلفيق.
أما القضية الأولى، وهي: هل الاجتهاد يتجزأ من حيث الموضوع، فبعد شرحها وبيانها أشار إلى أن الأصوليين انقسموا قسمين:
الأول: ذهب أصحابه أن من حصل أدلة باب معين من الفقه أن يجتهد فيه، ويقلد غيره فيما سواه، ذاكرا بعض الأمثلة التي توضح المقصود.
والثاني: ذهب آخرون إلى منع ذلك معللين أن ارتباط أدلة الأحكام وتكاملها، ذاكرا بعض الأمثلة أيضا، حيث إن هؤلاء ينظرون إلى أن الفقه نظام تشريعي متصل الحلقات واعتبره الأصح من ناحية العمل.
وأما القضية الثانية: وهي هل يصح للمقلد الذي لا يمتلك أدوات الاجتهاد البياني أن يفتي وأن يمارس تنزيل الأحكام؟
فذكر فيها أن المتقدمين من الأصوليين ناقشوا هذه المسألة، وأن المتأخرين حسموا الخلاف فيها، وأجمعوا فيها على القول بالجواز.
مشيرا أن المتقدمين لهم فيها ثلاثة مذاهب:
الأول: يرى أصحابه أن المقلد لا يفتي لجهله بأدلة الأحكام، وهؤلاء يقصرون الإفتاء على المجتهد.
الثاني: يرى أصحابه أن المقلد إذا كان يعرف أدلة الأحكام ويعرف أدلة المسألة التفصيلية التي يريد الإفتاء فيها، فيجوز له أن يفتي.
والمذهب الثالث: يرى أصحابه أن المقلد إذا استوعب الأصول والقواعد الاجتهادية، لإمام مذهبه، وله قدرة على التفريع والتخريج فله أن يفتي، ومن قصر عن هذه المرتبة لا يفتي. ذاكرا بعد هذا التفصيل منشأ الخلاف في المسألة.
وأما القضية الثالثة، وهي: مسألة الخطأ والصواب. فبعد بيانها وتبسيطها أشار أن الأصوليين في الإجابة عن ذلك فريقان:
الأول: يرى أصحابه أن كل مجتهد فيما لا نص فيه مصيب، وأنه ليس لله تعالى في المسائل الظنية حكم معين، فهؤلاء عندهم ليس هناك حكم معين في المسألة الاجتهادية يتجه إليها طلب المجتهد للظفر بالحكم. بل المجتهد يستفرغ وسعه، وما يغلب على ظنه بعد استفراغ الوسع هو حكم الله. وهؤلاء سموا بالمصوبة.
والفريق الثاني: ذهب أصحابه إلى أن المصيب واحد، وذلك بناء على ما تقرر عندهم من أن لله تعالى في كل مسألة اجتهادية حكما معينا، من وصل إليه فقد أصاب، ومن لم يصل إليه فقد أخطأ، وسُمِّي هؤلاء بالمخطئة.
وأما القضية الثالثة، وهي: الخروج عن المذهب الموروث: أشار فيها أنه في عصر المذاهب الفقهية لم تكن هذه القضية مطروحة للنقاش؛ لأن الأئمة المجتهدين أنفسهم كانوا يوصون أتباعهم بعدم التقيد بآرائهم إذا كانت مخالفة لما هو أقوى منها. بينما المتأخرون ناقشوا هذه المسألة وانقسموا إلى مجوز، ومانع، ومجيز بشروط.
فهناك من أجاز الخروج عن المذهب على الإطلاق، وإن كان لغرض تتبع الرخص.
وهناك من منع الخروج عن المذهب إذا كان من أجل الترخيص، وأجازه إذا لم يكن بهذا القصد، وهو مذهب الكثير.
وهناك من صرح بالمنع مطلقا سواء بغرض تتبع الرخص أم بدونه وهو الذي عليه متأخرو المالكية ذاكرا الأسباب التي دعتهم إلى هذا المنع، وتدور في عمومها على سد ذريعة الخروج عن ربقة الشرع.
وأما القضية الأخيرة التي طرحها المحاضر في هذه المداخلة، وهي: التخيّر أو التوقف في حالة انعدام المرجح مشيرا إلى أن العلماء اختلفوا أيضا إلى قولين:
الأول: أن القولين إذا تساويا في نظر المجتهد أو المقلد، فله أن يختار أحدهما وله أن يخير المستفتي بأن يأخذ بأيهما شاء بعد أن يعرض عليه القولين معا. وهو ينسب إلى من ذهب أن كل مجتهد مصيب.
القول الثاني: أن المفتي مجتهدا كان أو مقلدا إذا تساوى الدليلان عند المجتهد أو القولان عند المقلد فإنهما يتوقفان ويبحثان عن مرجح آخر، أو يقلدان مجتهدا يكون قد ترجح عنده قول آخر. وهو مبني أساسا على القول بالتخطئة في الاجتهاد.
العرض الثالث: الاختلاف الأصولي في المقاصد الشرعية، الدكتور عبد الرحمان القاطي
* بدأ الأستاذ مداخلته في هذا الموضوع، بالإشارة إلى بعض الأمور المهمة:
– الأمر الأول: أننا ما دمنا لم نحسم النقاش بشـأن مسألة الوصل والفصل بين المقاصد وأصول الفقه، فحديثنا عن الأصول يبقى حديثا عن المقاصد من وجه، وحديثنا عن المقاصد يبقى حديثا عن الأصول من وجه آخر.
فكل ما في الأمر أن المسألة تناولٌ لهذا التراث الأصولي المقاصدي نمده ونستمد منه.
نمده بمعنى ألا نألو جهدا في مسألة الارتقاء به وتهذيبه و إزالة ما من شأنه أن يعلق به من الشوائب تبديدا لمخاوف السلف الصالح في هذا الاتجاه، ونذكر من ذلك التخوف الذي أبداه الإمام الشاطبي رحمة الله عليه، حينما قال: “كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية أو لا تكون عونا في ذلك فوضعها في أصول الفقه عارية”.
– الأمر الثاني: ذكر عالم مقاصد الشريعة الإمام الطاهر ابن عاشور رحمة الله عليه، مجالات خمساً، مهما نظر الناظرون، و مهما اجتهد المجتهدون، و مهما استنبط المستنبطون، فإنهم لا يخرجون على هذا المدار وهي:
– المجال الأول: فهم نصوص الشريعة وفق ما تقتضيه قواعد اللغة من جهة، ووفق ما تقتضيه الاصطلاحات الشرعية من جهة ثانية.
-المجال الثاني: عرض هذا المعنى المستنبط وفق هذين الأمرين على غيره من الأدلة الشرعية، إن حصل بينه وبينها توافق و تلاؤم، أخذ به بلا إشكال، وإن لم يحصل نعمد ساعتها إلى التوفيق بين الأمرين، أو إلى الترجيح.
-المجال الثالث: هو قياس ما لا حكم له في الشرع على ما كان منصوصا عليه لعلة جامعة.
-المجال الرابع: الحكم فيما يجب من الحوادث و النوازل غير المنصوص على حكمها و التي ليس لها نظير في الشرع.
-المجال الخامس: النظر فيما لم تظهر حكمته في الشرع لأمرين:
* إما أن نصنفه ضمن مجال التعبد إن نحن عجزنا.
* وإما أن نبذل جهدا في الوصول إلى استكمال هذه الحكمة و من ثمة ندرجه ضمن الأحكام المعقولة المعنى.
ثم يقول ابن عاشور معقبا على هذه المجالات: “فالفقيه محتاج إلى مقاصد الشريعة الإسلامية في هذه النواحي كلها”.
وذكر الأستاذ أن الإمام الشاطبي رحمة الله عليه، كان يحرص كل الحرص على تقعيد شرطين أساسيين لبلوغ درجة الاجتهاد حينما يقول: لا يبلغ درجة الاجتهاد من لم يتصف بوصفين:
الأول: فهم مقاصد الشريعة على كمالها.
الثاني: التمكن من الاستنباط بناءا على فهمه فيها.
– وقد بنى الأستاذ على ما سبق، أن الاختلاف الأصولي الراجع إلى مقاصد الشريعة الإسلامية نجده إما:
1- اختلاف قائم على تَبَيُّن مقاصد الألفاظ و مقاصد الخطاب.
2- اختلاف أصولي عائد إلى تَبَيُّن مقاصد الحكم.
3- اختلاف راجع إلى تَبَيُّن التجاذب بين الأصوليين فيما يتصل بين الكليات القطعية وترتيبها وحصرها.
4- اختلاف ناجم عن تقدير طرق إثبات المقاصد الشرعية بين من يتوسع و بين من ينحصر نظره و بين من ينتشر نظره.
5- اختلاف راجع إلى اطراد المقاصد في الاجتهاد.
واختتم كلمته بسؤال وجهه للطلبة: هل يمكن للمقصَد أن يقوم وصفا يرتبط به الحكم؟
الورشة العامة السابعة:
أسباب الخلاف الأصولي في مباحث الاستدلال والاجتهاد
منسق الجلسة الدكتورة نسيبة الغلبزوري
العرض الأول: الاستدلال وأسباب الاختلاف في حجيته، الفقيه الأصولي الأستاذ مولود السريري
بدأ الأستاذ محاضرته بتمهيد لمبحث الاستدلال في أصول الفقه، مشيرا إلى تعريفه عند الأصوليين بكونه: “دليلا شرعيا ليس بنص ولا إجماع ولا قياس”، ويراد بذلك أنه دليل ملحق بالأصول الفقهية المتفق عليها، وهذا الإلحاق اقتضاه الامتثال والتعبد، وذلك لخصوصية قامت به، فاقتضت ذلك، وهي كونه “معنى مشعرا بالحكم الشرعي مناسبا له فيما يقتضيه الفكر العقلي”.
ومفاد هذا التعريف أن الاستدلال مأخذه العقل موجها بالمناسبة المعتبرة مناطا للأحكام الشرعية، وقد صار لفظ الاستدلال هذا علما على ما سمي بالأصول الفرعية تغليبا، وعبر عنها بلفظ الاستدلال للإشارة إلى صفة الاتخاذ التي قامت به.
والسر في وصفه بالاتخاذ دون غيره من الأدلة ـ الأصول ـ الأخرى، أن تلك الأصول قام القاطع من الأدلة عليها، ولم يتنازع المعتبرون من أهل العلم في شيء منها، فقيامها أدلة لم تنشأ عن صنيعهم واجتهادهم.
أما الاستدلال فمدركه النظر والاجتهاد، فكان بذلك متخذا.
والاستدلال وإن اتفق العلماء على القول به فإنهم على خلاف في تعيينه وتشخيصه، قال الإمام السبكي: اعلم أن علماء الأمة أجمعوا على أن ثم دليلا شرعيا غير ما تقدم، واختلفوا في تشخيصه.
فقال قوم: هو الاستصحاب، وقوم: الاستحسان، وقوم: المصالح المرسلة، ونحو ذلك.
وبناء على ذلك يكون لفظ الاستدلال مطلقا على أدلة مختلفة عند أئمة المذاهب.
ثم بعد ذلك عرض لمسائل الخلاف الأصولي في مبحث الاستدلال وأسبابه، مبرزا أنها على ضربين:
الضرب الأول: أسباب عامة، وأهمها اثنان:
أحدهما: الاختلاف في مسالك الأدلة من حيث التوسيع والتضييق؛ إذ من أهل العلم من انقدح له باجتهاده توسيع هذه المسالك معتمدا في هذا على معالم يراها شرعية مرشدة في غالب ظنه إلى ذلك.
ومنهم من ينتحي التضييق في ذلك متمسكا بالمتيقن عنده، ولا يرى في اجتهاده تخطي ذلك. (هل التوسيع والتضييق من مقتضيات الموضوع، أم من تصرفات المجتهدين؟)
وثانيهما: الاختلاف في ثبوت الاتصال والاستناد إلى الدليل النقلي، الذي هو العمدة فيما يؤتى أو يترك من الأمور الشرعية.
فكل مثبت من أهل الفقه دليلا فقهيا متمسكه حصول هذا الاتصال والاستناد، ومن يخالفه يرى تخلف ذلك.
وبموجب هذا تقرر الاختلاف في الاستدلال في الجملة كغيره من الأدلة الظنية الأخرى.
فمن أخذ به استند إلى الأمارات المنتصبة فيه، المرشدة إلى الحكم الشرعي، والدالة على ذلك بالإشعار.
والأمارات هنا على أقسام ثلاثة:
1ـ أمارات في الدليل.
2ـ أمارات في المستدل.
3ـ أمارات في موضع الحكم.
والضرب الثاني: الأسباب الخاصة، وهي ما يختص بكل صنف من الأصناف المذكورة آنفا على حدة.
ولما شرع الأستاذ في ذكر الأسباب الخاصة والتمثيل لها، زاحمه الوقت، فأرجأها إلى الورقة المفصلة التي ستنشر.
العرض الثاني: البحث المقاصدي: مرتكزات وأنواع، الدكتور زيد بوشعراء
استهل الأستاذ كلمته بشكر السادة والمؤسسات القائمة على هذا العمل المبارك التنويري والتوجيهي العلمي الأكاديمي، الذي يتوخى منه دفع البحث العلمي على وجهة راشدة وتحقيق الإصلاح والتجديد.
ثم ذكر أن البحث في المقاصد هو البحث عن سبل معرفة مراد الله تبارك وتعالى، وسبل إنجازه، وهذا يدخل في حجية المقاصد، وهذه السبل التي تعرف بها المقاصد، أو يعرف بها مراد الله، ويعرف بها كيفية تحقيق مراد الله، هي التي جعلت هنالك مناهج في هذا الموضوع دفعت الأمة إلى إنتاج مناهج للبحث في هذا الموضوع، وأبرز أن هذه المناهج التي أعطت الصفة العلمية لهذا العلم علم المقاصد، زيادة على ما في المقاصد من قواعد ومن مصطلحات ومن مباحث متكاملة، ومن مضامين متسلسلة، وبناء محكم، فهذا النسق العلمي المتكامل هو الذي جعل المقاصد علما.
وأكد على انبثاق علم المقاصد من علم الأصول لكنه ليس بالانفصال والاستقلال، وإنما هو انبثاق على سبيل النمو الذي أعطاه هذه الصفة العلمية، وقال إن الصفة العلمية للمقاصد لا تستلزم الاستقلالية ولم يقل به أحد من العلماء السابقين لعلمهم أن الثقافة الإسلامية ثقافة نسقية متكاملة فيها عناصر ولكن تلك العناصر متناسقة ومتكاملة.
ثم ذكر أن علم المقاصد سمي علما لما فيه من مباحث ومصطلحات وقواعد ونسقية تسمح له أن يكون علما، والشاطبي أنشأ علم المقاصد في رحم الأصول وأبقاه في حضن الأصول ولم يجعله مستقلا.
وقال الأستاذ المحاضر من مفاسد دعوة انفصال المقاصد عن الأصول هو جعل المقاصد وسيلة للإجهاز على ما تبقى من الشريعة في هذه الأمة وللقضاء على آخر حصون الشريعة وهي توجهات معروفة في الأمة الآن، وبالموازاة معه يشنون حملة شعواء على أصول الفقه في حد ذاته لما وجدوه مانعا.
وذكر أن هناك جهات أخرى تتخذ من المقاصد للزيادة في الدين بقول ينسب لبعض السلف، وهو: «تحدث للناس من المرغبات بقدر ما أحدثوا من الفتور»، زيادة على ما قال عمر بن عبد العزيز: «تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور». وقال هناك فئة أخرى تشن حملة على علم المقاصد خوفا من هذه المفاسد نفسها. ورجح الأستاذ أن الصواب أن يبقى علم المقاصد في إطار علم الأصول ويبقى فرعا من فروعه العلمية.
وختم عرضه باقتراح بعض المباحث في علم المقاصد تحتاج للبحث من ذلك: المبحث الأول في الاصطلاح أو المصطلحي، والمبحث الثاني: المبحث الاستكشافي وهو استنباط الحكم، المبحث الثالث: مبحث التأصيل الذي هو التدليل على التعليل، المبحث الرابع: إعمال هذه المقاصد أو ما يسمى بالبيان المقاصدي للقرآن، المبحث الخامس تطبيق النصوص تطبيقا مقاصديا.
العرض الثالث: استقراء أصول الأئمة ومصادرها الأولى، الدكتور الناجي لمين
نبه الأستاذ المحاضر في بداية مداخلته إلى أن أغلب أئمة المذاهب لم يدونوا أصولهم وإن صرحوا بها في بطون كتبهم أو تلامذتهم إلا الإمام الشافعي، وذكر أن من مصادر التعرف على أصول أبي حنيفة في مذهبه ما كتبه عيسى بن أبان المتوفى 221هـ في كتابه الحجج الكبر والصغير وكتاب الرد على المريسي والشافعي في شروط قبول الأخبار. وقال إن من المصادر الحنفية الأولى في علم الأصول كتاب مفرد جامع للإمام أبي صالح منصور بن إسحاق بن أحمد السجستاني المتوفى سنة 290هـ، وما كتبه أبو الحسن الكرخي المتوفى سنة 340هـ، ثم جاء بعدهم أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى سنة 370هـ، الذي يعد من أجل كتب الأصول عند الحنفية المتقدمين، ثم جاء بعده أبو زيد الدبوسي (430هـ) الذي كملت به عند الحنفية صناعة أصول الفقه.
أما المالكية فمن أول من صنف في علم الأصول الإمام أبو الفرج الليثي البغدادي المتوفى سنة 330ﻫ في كتابه اللمع في أصول الفقه ثم أبو الفضل بكر بن العلاء القشيري المتوفى سنة 344ﻫ في كتابه أصول الفقه وكتاب القياس، ثم أبو بكر الأبهري المتوفى سنة 375ﻫ في كتاب الأصول وكتاب إجماع أهل المدينة وكذا أبو تمام علي بن محمد البصري من أصحاب الأبهري، ثم الإمام ابن القصار المتوفى سنة 398ﻫ في مقدمة كتابه النفيس عيون الأدلة في مسائل الخلاف، وجاء بعده القاضي عبد الوهاب في كتابه الإفادة في أصول الفقه وكتاب التلخيص أيضا، وكتاب إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي.
وأما الشافعية فقد ألف الإمام الشافعي كتاب الرسالة لبيان أصول مذهبه ومنهجه في الاستدلال والتعليل والاستنباط، وقد شرح الرسالة مجموعة من العلماء كشرح الرسالة لابن السريج، والصيرفي، وشرح أبي بكر القشال الكبير، وشرح محمد بن عبد الله بن يوسف، وجاء العلماء بعد ذلك فألفوا في أصول الفقه على غير شاكلة الرسالة ولكنهم قصدوا فيها نفس مقصد الشافعي، وبين أن معظم الأصوليين بعد الشافعي ألفوا على منهج غير منهج الشافعي من أبرز هؤلاء الباقلاني، والجويني، والغزالي الذي صنف المستصفى فأصبح عمدة لمن بعده.
أما المذهب الحنبلي، فقال من الصعب جدا التحدث عن مؤلفات أصولية لمذهبه لأنه لم يحرص أن يكون له مذهب والحنابلة ساروا على نهج الشافعية غالبا إلا ما كان من مسائل كلامية، وأول من وصلنا قصد إلى التأصيل لمسائل الحنابلة هو القاضي أبو يعلى الفراء البغدادي الحنبلي، وهو المؤسس الثاني للمذهب الحنبلي وبه استقر المذهب واستقامة مسائله ووضحت معالمه، له كتاب العدة في أصول الفقه اعتمد فيه كثيرا على الفصول على الأصول للجصاص الحنفي لأنه كان شيخ أبيه، والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري.
الجلسة الختامية:
منسق الجلسة: الدكتور محمد الشنتوف نائب عميد كلية أصول الدين
:وقد جاءت كلمات هذه الجلسة تباعا
فكانت الكلمة الأولى باسم الطلبة المستفيدين من الدورة من كلية أصول الدين، تناول فيها الطالب محمد شابو تقديم الشكر لمن كان سببا في جمع هذه النخبة العالمة، مخصصا بالذكر عميد كلية أصول الدين، ورئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، وكذا تقديم الشكر للأساتذة المحاضرين، موصيا أن تعقب هذه الدورة دورات أخرى.
وكانت الكلمة الثانية للباحثة أمال اليملاحي، التي تكلمت باسم الباحثات المشاركات، فشكرت فيها الجهتين المنظمتين، وكذا الأساتذة والعلماء المؤطرين لهذه الدورة، كما شكرت اللجنة التنظيمية.
وكانت الكلمة الثالثة للدكتور مصطفى عكلي تكلم فيها باسم الباحثين المشاركين من خارج كلية أصول الدين، توجه فيها أيضا بالشكر للمؤسستين المنظمتين: الرابطة المحمدية للعلماء ممثلة في مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي في شخص رئيسه الدكتور محمد العلمي الذي سن هذه الدورات العلمية، وكلية أصول الدين بتطوان في شخص عميدها الدكتور محمد التمسماني، كما توجه باسم الباحثين بالشكر أيضا للسادة العلماء الأجلاء المؤطرين للدورة، وإلى اللجان التظيمية. وكذا وحدة النشر والتوزيع التابعة للرابطة المحمدية للعلماء.
وختم كلمته بإبداء توصية عامة، وهي: الإبقاء على هذه السنة الحميدة، وتوسيعها إلى كل ناحية من هذا البلد الأمين.
ثم أعطيت الكلمة الرابعة: للدكتور خالد محمد بن غانم آل تميم من دولة قطر الشقيقة ليتكلم فيها باسم الضيوف المشاركين من خارج المغرب تناول فيها ـ بعد تقديم الشكر للجهتين المنظمتين ـ أربعة أمور:
1 ـ أهمية العلم وفضله، مستدلا ببعض ما جاء في القرآن والسنة، وما تجسد في سير الصحابة والتابعين، والعلماء.
2 ـ وجوب إخلاص النية لله في طلب العلم.
3 ـ التعبير على ما تم استفادته من هذه الدورة، وأهمها معرفة أسباب الخلاف بين العلماء، الأمر الذي يدفع الطلبة والباحثين إلى توسيع مداركهم ومفاهمهم.
4 ـ حث الطلبة على الاستفادة من العلماء والحرص على الأخذ عنهم وتوقيرهم واحترامهم. مشيرا أن بلاد المغرب تزخر بعلماء لهم باع طويل في المعرفة والعلم، ليختم بتجديد الشكر للجميع.
وكانت الكلمة الخامسة باسم الضيوف أيضا للدكتورة مسعودة علواش أستاذة الأصول والمقاصد بجامعة الجزائر ، وعبرت فيها عن الامتنان على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مخصصة بالشكر كلية أصول الدين، ومركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، وكل الأساتذة المشاركين.
ثم تقدم الطالب الباحث محمد زنداك بإلقاء قصيدة شعرية من البحر الكامل بالمناسبة، مشيدا فيها بالدورة والمؤسسين لها، وشاكرا لكل القائمين والساهرين على إخراجها وإنجاحها، ومشيرا إلى اكتمال الفرحة والقصد من هذه الدورة التكوينية المباركة.
ثم أخذ الكلمة الدكتور محمد العلمي رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، ليلقي كلمة باسم المركز.
تناول فيها بعض النقاط التي تصلح للختام:
1 ـ تقديم الشكر لمن ساهم في نجاح هذه الدورة، وخص منهم بالذكر: السيد عميد كلية أصول الدين بتطوان؛ لاحتضانه لهذه الدورة، وكذا نائبه الدكتور محمد الشنتوف، كما توجه بالشكر لوحدة النشر بالرابطة المحمدية للعلماء ممثلة في الباحث محمد فوزار، والباحث عبد الكريم بومكرود، كما خص بالشكر أعضاء فريق مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، كل باسمه ووصفه.
2 ـ أن هذه الدورة شارك فيها باحثون وطلبة من أربعين مؤسسة من داخل المغرب وخارجه. وأن حضور الباحثين المشاركين من جميع أنحاء المغرب يجسد عمقا أخلاقيا [البذل والرحلة لطلب العلم]، يعد إحدى الغايات التي يسعى إليها المركز من خلال تنظيم هذه الدورات العلمية.
3 ـ التنويه بالأساتذة الضيوف، والباحثين خارج المغرب الذين ضحوا من أجل الحضور، الأمر الذي يدل على تواضعهم، وهو مبدأ على الطلبة أن يستفيدوا منه.
4 ـ أن هذه الدورة أعطتنا ـ من خلال محاضرات وعروض مؤطريها ـ قيمة نوعية تتمثل في الدقة، وهي دعوة للطلبة الباحثين أن يسعوا إلى تحصيلها.
وختم الأستاذ كلمته بتوجيه وصية للطلبة المشاركين في تزويد المركز بالأطاريح المسجلة في المؤسسات التي ينتمون إليها، إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
واختتمت الجلسة بكلمة الدكتور زين العابدين الحسيني باسم كلية أصول الدين، توجه فيها بداية بالشكر الجزيل لعميد كلية أصول الدين وأساتذة الكلية على الثقة التي وضعوها فيه، وعلى تشريفه بإلقاء الكلمة باسمهم واسم الكلية.
ثم توجه بالشكر إلى الدكتور محمد العلمي وفريقه البحثي، وإلى المركز ومن خلاله الرابطة، وإلى أساتذة الكلية وهيئة التدريس بها عموما، وإلى إدارة الكلية وإلى جنود الخفاء الذين كانوا وراء هذا النجاح الكبير الذي لاقته هذه الدورة.
ثم أشار إلى أن هذه القوافل العلمية التي جابت المغرب من خلال هذه الأيام الجامعية جعلتنا نشعر بكثير من الاعتزاز، مشيرا إلى أن مثل هذا العمل القويم هو الذي من شأنه أن يحافظ على وجودنا وهويتنا الإسلامية، وأنه ينبغي أن تكون هذه الدورة نقطة بداية وفاتحة خير في سبيل خدمة العلوم الإسلامية.
ثم اختتمت الجلسة بقراءة آيات بينات من الذكر الحكيم والدعاء.
صورة جماعية لبعض الباحثين المشاركين في الدورة مع بعض الأساتذة
صور للسادة الأساتذة وبعض الضيوف
في مكتب السيد عميد كلية أصول الدين
صور للأساتذة مع الطلبة الباحثين
تغطية قناة السادسة للدورة
تقرير قناة السادسة حول الدورة التكوينية على الرابط التالي
معرض إصدارات الرابطة المحمدية للعلماء خلال الدورة الذي عرف إقبالا
كبيرا من طرف الأساتذة والطلبة والعموم
الغلبزوري