دروس مرئية

د. نسيبة الغلبزوري: محاضرة عن بعد حول موضوع "طرق التفسير"

 
أهداف الموقع

أهداف الموقع

 
البحث بالموقع
 
دراسات وأبحاث

قواعد الترجيح عند العلامة الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري

 
إصدارات

إصدار بعنوان: المنهج النقدي في تفسير الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري

 
 

ثقافة التعايش في القرآن والسنة


أضف المقال إلى :
yahoo Facebook yahoo Twitter Myspace delicious Live Google

أضيف في 18 نونبر 2020 الساعة 33 : 12


ثقافة التعايش  في القرآن والسنة 

 

من إعداد الأستاذة: نسيبة الغلبزوري

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد وعلى اله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

 

مقدمة:

 

وبعد: فمما لاشك فيه، أن عالمنا اليوم، في أمس الحاجة إلى التسامح الفعال، والتعايش الإيجابي بين جميع فئات البشر، على اختلاف أديانهم، وأجناسهم ومعتقداتهم، وألوانهم ولغاتهم، أكثر من أي وقت مضى، وذلك نظرا لأن التقارب بين الثقافات، والتفاعل بين الحضارات يزداد يوما بعد يوم، بسبب ثورة المعلومات، والاتصالات، والتكنولوجية التي قربت المسافات، وأزالت الحواجز الزمانية والمكانية بين الأمم والشعوب.

 

ويبدو أنه كلما تحقق الانفتاح على الإسلام، والاقتراب منه، سعت بعض الجهات إلى التخويف منه، وتقديمه على أنه دين عنف وتطرف وإرهاب وقتل ودمار، لا يؤمن بالحوار والتسامح، والتعايش والتساكن ولا يعترف بالآخرين، تواق إلى الصدام وإلى إقصاء المخالفين واستئصال الخصوم([1]).

 

ومما يساعد على ترويج وانتشار خطاب الكراهية، عدم التصدي العلمي له، بإبراز الصورة المشرقة والموقف الإسلامي الحقيقي من الآخرين([2]).

 

من أجل ذلك تأتي هذه المساهمة الموسومة ب:" ثقافة التعايش في القرآن والسنة" لتبين موقف الإسلام الحقيقي من التعايش مع الآخرين، من منطلق الاحتكام إلى نصوص الكتاب والسنة.

 

وسوف تعالج هذه المداخلة المحاور التالية:

✔    المحور الأول: التعايش في القرآن الكريم.

✔    المحور الثاني : التعايش في السنة النبوية.


المبحث الأول: التعايش في القرآن الكريم.

 

حث القرآن الكريم البشرية على التعايش، ودعا إلى التعارف في قوله سبحانه وتعالى: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ([3]) فلفظ " التعارف" هو خطاب للبشرية بالمعنى الواسع لأجل تبادل الخبرات، والمعارف، والعلوم، والمحاسن، والفضائل، والخير. وحث أيضا على "التعاون" فقال سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ([4]). فالتعاون على الخير والمصلحة، مفهوم شرعي ناصع، متفق عليه سواء مع الموافق أو المخالف، لأنه تعاون على البر والتقوى، وليس الإثم والعدوان، وذلك المفهوم" التعاوني" و"التعارفي" في غاية التبشير للناس وتقديم أفضل القيم التي ترفع الإنسان، وتبني جسور التواصل بينهم([5])..

 

ولتجلية الموقف العام للقرآن الكريم من التعايش مع الآخرين سنعرض بإيجاز لمعطيات مركزية من العطاء القرآني:

1-تكريم القرآن للإنسان:

 

كرم القرآن الإنسان لذاته وآدميته، بغض النظر عن دينه ولونه وجنسه وعرقه، ونحن إذا تدبرنا آياته، وتأملنا موضوعاته، واهتماماته، نستطيع أن نصفه بأنه كتاب الإنسان، فالقرآن كله إما حديث إلى الإنسان، أو حديث عن الإنسان، وكلمة "الإنسان" تكررت في القرآن الكريم ثلاثا وستين مرة، وكلمة "آدم" ست مرات، وكلمة "الناس" تكررت مائتين وأربعين مرة.

 

ومن تكريم الله الإنسان أنه شرفه وفضله على كثير ممن خلق، صنعه بيده وعلى عينه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكة، وسخر له ما في السماوات والأرض، وأرسل إليه الرسل، وأنزل إليه الكتب، وجعله خليفته في أرضه ليعمرها. قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيله) ([6]).

 

وقال تعالى أيضا: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا ساجدين) ([7])..

 

ومن تكريمه سبحانه للإنسان أنه حرم دمه بغير حق، فقال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) ([8])..


2- لا إكراه في الدين.

 

قرر القرآن الكريم الحرية الدينية وحرية الاعتقاد، فلم يكره الناس على اعتناقه، لأن الدين راجع إلى القناعة والاختيار، فقال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ([9]). وقال سبحانه أيضا: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ([10])..

        

وهناك آيات كثيرة في القرآن تدل على هذا المعنى، فلا يجوز إذن إكراه الآخرين على الدخول في الإسلام، لأن الأصل فيه هو حرية العقيدة.

3-خلق الله الناس مختلفين.

        

قضت مشيئة الله تعالى، خلق الناس بعقول ومدارك متباينة وأفهام متفاوتة، فلا يمكن أن يتساوى عقلان، أو يتطابق رأيان، قال ابن القيم رحمه الله: «وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لابد منه، لتفاوت أغراضهم وأفهامهم، وقوى إدراكهم...»([11]).هذا إلى جانب اختلاف الألسنة، والألوان، واللغات، والصور، والمدارك، والأفكار، والتصورات والمعتقدات، والأديان([12]).

        

وطالما أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة الكونية، وهذا الناموس الإلهي الذي فطر الله عليه جميع المخلوقات. لذلك فمن العبث، كل العبث، أن يراد صبُّ الناس في قالب واحد  وجعلهم نسخا متكررة، ومحو كل اختلاف وفرق بينهم، فهذا غير ممكن، لأنه محالف لفطرة الله التي فطر الناس عليها، يقول الله سبحانه وتعالى موجها إلى عدم التطلع إلى رؤية الناس نمطا واحدا، وإلى عدم إكراههم على أن يكونوا كذلك (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ([13]).

 

ويقول سبحانه أيضا: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ([14])..

 

والآيات المقررة لهذا المعنى كثيرة، وهي في جملتها توطن ذهن الإنسان المسلم على القبول بالتعددية، والتنوع، والاختلاف، وتفتح له المجال للتعريف بدينه، من غير أن يجعل إلغاء وإقصاء الآخرين هدفا من أهدافه.

 

ولولا الاختلاف والتنوع لما كانت هناك حوافز الاستباق، ودواعي التدافع، وأسباب التنافس بين الأفراد والأمم والأفكار والفلسفات والحضارات، ولما تحقق إعمار الكون، وازدهار الوجود، إذ يستحيل بناء الحياة، وقيام شبكة العلاقات الاجتماعية، بين الناس ذوي القدرات المتساوية والنمطية المتطابقة، إذ لا مجال –عندئذ- للتفاعل والاكتساب، والعطاء فكل ميسر لما خلق له([15]).

 

وفي هذا يقول الدكتور طه جابر العلواني: «وإن في الاختلاف... رياضة للأذهان، وتلاقح للآراء، وفتح مجال التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها» ([16]).ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: «...فالاختلاف طبيعي في البشر وفيه من الفوائد والمنافع العلمية والعملية مالا تظهر مزايا نوعهم بدونه...» ([17]).


4-محاورة الآخرين بالحسنى:

 

فنحن المسلمين، مأمورون بنص القرآن، أن نجادل المخالفين، بالتي هي أحسن قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) ([18])..

 

وهذا الجدال أو الحوار بالتي هي أحسن، هو إحدى وسائل الدعوة التي أمر بها القرآن الكريم في قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)([19]). فالموافقون لك في الدين تدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والمخالفون يجادلون بالتي هي أحسن.

 

بمعنى أنه لو كانت هناك طريقتان للحوار: طريقة حسنة، وطريقة أحسن منها وأجود، فالمسلم مأمور أن يستخدم الطريقة التي هي أحسن وأمثل. وقد اكتفى القرآن الكريم، مع الموافقين بأن تكون الموعظة حسنة، ولم يرض مع المخالفين إلا أن يكون الجدال بالتي هي أحسن.


5- دفاع القرآن عن الأنبياء وإلزام أتباعه بالإيمان بهم جميعا:

 

جعل القرآن شمول الإيمان الأنبياء، مقوما من مقومات العقيدة الإسلامية وصرح بذلك مرات عديدة، منها قوله تعالى: (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) ([20])..

 

وقد قامت العقيدة الإسلامية، على عصمة الأنبياء وبراءتهم، من كل الذنوب خصوصا بعد الرسالة. وبذل علماء الإسلام من الجهد العلمي ما لم يبذله غيرهم من أجل رد الإفتراءات التي حملتها بعض النصوص القديمة عن بعض الأنبياء، ودافع القرآن الكريم عن موسى عليه السلام، ونهى عن إيذائه بالقول فقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها)، ([21]).([22]). ودافع عن طهارة مريم عليها السلام، وأبرز عفتها، فقال عن ميلاد عيسى عليه السلام: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)([23]).

 

ورد القرآن دعوى قتل عيسى عليه السلام وأخبر عن رفعه فقال: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) ([24]) ([25])..

 

وتحدث القرآن عن اليهود والنصارى حديث المنصف العادل، فهو عندما تحدث عن وجود الأمانة والخيانة فيهم، ذكر أن منهم أشخاصا في قمة الأمانة والنزاهة وأن منهم آخرين هم خائنون للأمانة([26])..

 

فقال سبحانه: (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليه ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما) ([27])..

 

وقال عن أهل الكتاب بعد ذكر ظلم بعضهم لأنبيائهم: (ليسوا سواء من أهل الكتب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) ([28]).

 

وقال عن القسيسين والرهبان، الذين ظلوا أوفياء لهدي عيسى عليه السلام: (ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين)([29])([30]).


المبحث الثاني: التعايش في السنة النبوية.

 

إن المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد بما لا يدع مجالا للشك، صفحات مشرقة، من حسن تعامله وتسامحه مع الآخرين، وقد استطاع بخلقه العظيم أن يستوعبهم، ويتعايش معهم، على اختلافهم وتنوعهم، وضرب لنا عليه الصلاة والسلام في ذلك أروع الأمثلة.

 

ونحن حين نحاول استجلاء الموقف الحقيقي للرسول صلى الله عليه وسلم من الآخرين، فإن المنهج يقتضي الخروج من التنظير إلى التمثيل، والإحالة على الواقع العملي، وعلى الممارسة الدائمة للعلاقة النبوية بالمخالفين، وذلك من خلال التركيز على عرض بعض المواقف والتصرفات والممارسات، النبوية الكفيلة بإبراز التوجه النبوي في الموضوع. ([31])

 

*أولا: لو ابتدأنا بتعامله صلى الله عليه وسلم، مع مشركي مكة، الذين حاربوه وصدوا عن دعوته، وأخرجوه من بلدته، التي ولد وترعرع فيها، فكيف كان تعامله معهم بعد زوال الشدة والضيق، وتغير الأحوال، التي امتلك معها القوة والرخاء ؟ نجده صلى الله عليه وسلم يقف موقفا إنسانيا وأخلاقيا عظيما مع القوم، معرضا عن إيذائهم والقصاص منهم، بل عندما بلغه أن أهل مكة أصابهم القحط، بعث لهم بخمسمائة دينار لتفريقها على فقرائهم. ذكر السرخسي في شرح كتاب السير الكبير لمحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، أن النبي بعث إلى أهل مكة خمس مائة دينار حين أصابهم القحط، وأمر بدفع ذلك إلى أبي سفيان بن حرب وصفوان بن أمية ليفرق ذلك على فقراء مكة([32])

 

-ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه وأصحابه رضوان الله عليهم، من صلة أقاربهم من المشركين في مكة، روى البخاري في صحيحه "أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: قدمت علي أمي وهي راغبة في الصلة، أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك".([33])

 

*ثانيا: تعايشه صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين بتبادل الهدايا، وتعامله معهم في البيع والشراء، والأخذ والعطاء، والاقتراض، وجميع المعاملات الحياتية التي يتعامل بها أبناء المجتمع الواحد.

 

روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: « توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير»([34])

 

-وأما تبادله الهدايا مع غير المسلمين، فنجده صلى الله عليه وسلم يقبل هدية زينب بنت الحارث اليهودية حيث أهدته شاة فقبلها وكانت  مسمومة([35]). كما قبل أيضا هدية المقوقس صاحب الإسكندرية عظيم القبط.

 

*ثالثا: مخالطته r لغير المسلمين، وإجابته دعوتهم، وأكل طعامهم، واستقبال وفودهم، جاء في كتاب السيرة لابن هشام أن: أهل نجران وكانوا نصارى، لما قدموا على رسول الله دخلوا مسجده بعد العصر، فكانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله r دعوهم، واستقبلوا القبلة يصلون صلاتهم([36]).

 

ووضع البخاري في صحيحه ضمن كتاب الجنائز، بابا أسماه باب من قام لجنازة يهودي، روى فيه أن النبي r مرت به جنازة يهودي فقال لها، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفسا؟([37]).          

 

وروى البخاري في كتاب الجنائز، أن النبي r كان له غلام يهودي يخدمه، فمرض فأتاه النبي r بعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، ..... فأسلم، فخرج النبي وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار([38]).

 

*رابعا: إبرامه معاهدات مع المخالفين، وقد تعددت نماذج العهود المقررة للتعايش زمن النبي، وأهمها ما يعرف في كتب السيرة بـ: «وثيقة المدنية» التي جسدت أروع صور التعايش الحضاري والإجتماعي، فقد تضمنت بنودها حرية العقيدة والرأي «...لليهود دينهم وللمسلمين دينهم» وحرمة  الأنفس والأموال، وحرمة الجوار، ونصرة المظلوم، ومقاومة المعتدي، بحيث يكون سكان المدينة على اختلاف دياناتهم وأوطانهم يدا واحدة على من يهاجمهم أو يحاربهم. «...وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة».

 

*خامسا: اتباعه منهجا فريدا ومتميزا، في التعامل مع المنافقين الذين هم أشد خطراً، على دولة الإسلام الفتية من المشركين والكفار، لأن الكافر عدو ظاهـر، أما المنافق فهو عدو خفي، يبطن ما لا يظهر، ومع ذلك فإن النبي r كان من هديه وسيرته معهم، مراعاة المصلحة، ومحاولة إصلاحهم، قال ابن القيم رحمه الله: «أما سيرته r في المنافقين، فإنه أمر أن يقبل منهم علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله...» ([39])، فلم يؤاخذهم إلا بما ظهر منهم، مع علمه بما هم عليه من النفاق الأكبر، وسلك معهم عليهم الصلاة والسلام طريق الإغضاء والعفو عن أخطائهم، يقبل منهم الأعذار، وإذا أساء أحدهم الأدب معه صلى عليهم إلى الحد الذي يجعل الصحابة رضوان الله عليهم يطالبونه بالقصاص والقتل، يتمسك عليه الصلاة والسلام بمنهجية التجاوز والصفح حتى لا يقال: «إن محمداً يقتل أصحابه»([40])، وترك عقابهم لأجل تأليف القلوب وإخماد الفتن.

 

قال ابن تيمية رحمه الله: «إن النبي r وسلم كان يكف عن قتل المنافقين مع كونه مصلحة، لئلا يكون ذريعة إلى قول الناس أن محمدا يقتل أصحابه لأن هذا القول يوجب النفور عن الإسلام ممن دخل فيه، وممن لم يدخل فيه»([41]).

 

خاتمة

 

يتبين من خلال هذه النصوص المقتبسة من الكتاب والسنة، بما لا يدع مجالا للشك، أن الإسلام لا ينفي الآخر ولا يقصيه على الإطلاق، وأن علاقة الإسلام مع المخالفين قائمة على التعايش والتسامح والنصح والحوار، والعدل والإنصاف، وعدم الإكراه. ولكي يتحقق التعايش أقترح ما يلي:

 

-إيجاد أرضية التعايش التي سيقف عليها الفريقان ليعيشا في سلام وأمان، ويعملا معاً لتعمير الأرض وسعادة الإنسان.

 

-أن ينطلق الجميع من حقيقة لا جدال فيها وهي أن الناس لا يمكن أن يكونوا نسخة مكررة لأن الله لم يفطرهم على ذلك بل جعل سبحانه اختلافهم سنة من سننه.

 

-احترام المعتقدات والمبادئ الأساسية لجميع الأطراف.

 

-العمل على إرساء مبدأ التعاون والتشارك.

 

- احترام المبادئ الإنسانية المشتركة كالحرية، والديموقراطية، وحقوق الإنسان، لأن خراب الأمم وزوال الحضارات، وانهيارها وانحسار الثقافات، يرجع إلى تدهور الفكر الحر، وإلى شيوع التغلب وضياع الحريات؛ كل ذلك لتقليل أسباب الصراع والتصادم الذي أباد أمما وشعوبا، في الماضي والحاضر وقد يبيدها في المستقبل لا قدر الله.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


لائحة المصادر والمراجع

 

القرآن الكريم

1-مصنف ابن أبي شيبة لأبي بكر عبد الله بن محمد أبي شيبة الكوفي، ت : 235هـ تحقيق كمال يوسف الحوث، الطبعة الأولى، 1409هـ، مكتبة الرشد الرياض.

2-صحيح البخاري لمحمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري ت 256هـ، تحقيق مصطفى ديب البغا، الطبعة الثالثة 1407/ 1987، دار ابن كثير اليمامة ، بيروت.

3-صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري 261هـ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، د.ت ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت.

4-سنن النسائي لأحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، ت303هـ، تحقيق محمد عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406/1986، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب.

5-سنن البيهقي لأحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي 458هـ تحقيق محمد عبد القادر عطا، 1414/ 1994، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة.

6-الصواعق المرسلة لابن القيم ، تحقيق علي بن محمد الدخيل الله الطبعة الثانية 1418/ 1998 دار العاصمة الرياض.

7-زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط الطبعة الرابعة عشر 1407/ 1986 مؤسسة الرسالة بيروت.

8- شرح كتاب السير الكبير لمحمد الرسخسي، تحقيق محمد حسن الشافعي 1977 دار الكتب العلمية، بيروت.

9- الروض الأنف لأبي القاسم عبد الرحمن السهيلي ومعه السيرة النبوية لابن هشام، علق عليه ووضع حواشيه مجدي بن منصور بن سيد الشورى، د.ت.ط دار الكتب العلمية ، بيروت.

10- أدب الاختلاف في الإسلام لطه جابر العلواني، العدد الثاني، 1919، سلسلة قضايا الفكر الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي.

11- التأصيل الشرعي للتعامل مع غير المسلمين لمصطفى بن حمزة الطبعة الأولى، 1432/2011 وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت.

12-التعايش الإنساني والتسامح الديني في الإسلام، دراسة تأصيلية مختصرة لعبد الفتاح بن صالح قديش اليافعي، د.ت .ط د.م.ط.

13-أدب الاختلاف في الإسلام لصالح نجيب الحق، د.ت.ط.د.م.ط.

14-أدب الاختلاف وبعض القواعد الضابطة له لعلي ونيس د.ت.ط. د.م.ط.

15- الإسلام والتعددية: الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة لمحمد عمارة، الطبعة الأولى 1429/ 2008 مكتبة الشروق الدولية القاهرة.

المقالات

16- مقال بعنوان: «التعايش الحضاري» لسلمان العودة، صحيفة الوسط البحرينية، العدد2534، 2009.



[1]()- التأصيل الشرعي للتعامل مع غير المسلمين لمصطفى  بن حمزة ص: 11.

[2]()- المصدر السابق، ص: 12.

[3]()- سورة الحجرات، الآية 13.  

[4]()- سورة المائدة الآية: 2.  

[5]()- صحيفة الوسط البحرينية العدد 2534 ، 2009 م مقال بعنوان: «التعايش الحضاري»  للدكتور سلمان العودة.

[6]()- سورة الإسراء الآية: 70  

[7]()- سورة الحجر الآية: 29.  

[8]()- سورة المائدة الآية: 32 

[9]()- سورة البقرة آية: 256  

[10]()- سورة يونس، الآية: 99.  

[11]()- الصواعق المرسلة لابن القيم 2/ 519 تحقيق علي بن محمد الدخيل الله، الطبعة الثانية 1418هـ/ 1998م، دار العاصمة الرياض. 

[12]()- آداب الاختلاف في الإسلام لصالح نجيب الدق، ص2، وأدب الاختلاف وبعض القواعد الضابطة له لعلي ونيس ص: 8.  

[13]()- سورة يونس الآية: 99

[14]()-  سورة هود الآية: 118- 119 

[15]()- آداب الاختلاف في الإسلام لطه جابر العلواني ص:11 والإسلام والتعددية: الاختلاف والتنوع في إطار الوحدة لمحمد عمارة، ص: 10.

[16]()- آداب الاختلاف في الإسلام لطه جابر العلواني ص: 24- 25. 

[17]()- تفسير المنار لرشيد رضا 12/ 19  فما بعدها. 

[18]()-  سورة العنكبوت آية: 46.

[19]()- سورة النحل، الآية: 125.  

[20]()- سورة البقرة: الآية: 285. 

[21]()- سورة الأحزاب آية: 69،  

[22]()-التأصيل الشرعي للتعامل مع غير  المسلمين، ص 23.  

[23]()- سورة آل عمران: الآية 42.  

[24]()-  سورة النساء آية: 157.

[25]()- المصدر السابق. 

[26]()- التأصيل الشرعي ص: 20.  

[27]()- سورة آل عمران آية: 75.  

[28]()- سورة آل عمران آية: 113. 

[29]()- سورة المائدة آية: 82 

[30]()- المصدر السابق  

[31]()- المصدر السابق، ص: 39. 

[32]()-  شرح  كتاب السير الكبير محمد السرخسي، تحقيق محمد حسن الشافعي 1/70. 

[33]()- أخرجه البخاري كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب الهدية للمشركين، برقم: 2620، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة، والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد ، والوالدين ولو كانوا مشركين  برقم 1003.  

[34]()- أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل  في درع النبي r  والقصيص في الحرب برقم 2759. 

[35]()- أخرجه البخاري في صحيحه باب قبول الهدية من المشركين برقم 2502، وأحمد في المسند برقم 13087، والطبراني في الأوسط باب من اسمه إبراهيم برقم 2510 والبيهقي في السنن الكبير برقم 14933

[36]()- الروض الأنف لأبي القاسم عبد الرحمن السهيلي ومعه السيرة النبوية لابن هشام، علق عليه ووضع حواشيه مجدي بن منصور بن سيد الشورى . د .ت ط. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 3/ 496.

[37]()- أخرجه مسلم في صحيحه، باب القيام للجنازة برقم 1661 والنسائي في الصغرى برقم 1912 وأحمد في المسند برقم 23304 ، والبيهقي في السنن الكبير برقم 6499 وابن أبي شيبة في مصنفه برقم 11738 .

[38]()- أخرجه البخاري في صحيحه باب عيادة المشرك برقم 5357 وأبو داود في سننه باب في عيادة الذمي برقم 2740 وابن ابن حبان في صحيحه، باب الذمي والجزية برقم 4975، والحاكم في المستدرك برقم 7897، والبيهقي في السنن الكبير، باب من قال يحكم بصحة إسلامه، برقم 11383.

[39]()- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط 2/ 81.

[40]()- أخرجه البخاري في صحيحه برقم 4905 ومسلم برقم 2584.

[41]()- الفتاوى الكبرى لابن تيمية .  

 

الغلبزوري







 

 

 
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم

اضغط هنـا للكتابة بالعربية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضف تعليقك على الخبر
* كاتب التعليق
* عنوان التعليق
  * الدولة
* التعليق
  * كود التحقق



ندوة علمية في موضوع "ثقافة التعايش في السيرة النبوية"

سيرة ومسيرة للدكتورة نسيبة الغلبزوري

أهداف الموقع

مشاركة في أشغال دورة تكوينية حول الخلاف الأصولي

ندوة علمية برحاب كلية أصول الدين بتطوان

ثقافة التعايش في القرآن والسنة

د.نسيبة الغلبزوري...دور الوساطة في حل النزاعات الأسرية

د.نسيبةالغلبزوري...إسهامات المرأة المغربية

ندوة علمية في موضوع "ثقافة التعايش في السيرة النبوية"

سيرة ومسيرة للدكتورة نسيبة الغلبزوري

ثقافة التعايش في القرآن والسنة





 
القائمة الرئيسية
 

» الرئيسية

 
 

»  دروس مرئية

 
 

»  السيرة الذاتية

 
 

»  إصدارات

 
 

»  دراسات وأبحاث

 
 

»  كلمة المسؤولة عن الموقع

 
 

»  أخبار وتقارير

 
 

»  أهداف الموقع

 
 

»  حوارات

 
 

»  قالوا عن الموقع

 
 
قالوا عن الموقع
 
السيرة الذاتية

سيرة ومسيرة للدكتورة نسيبة الغلبزوري

 
حوارات
 
كلمة المسؤولة عن الموقع
 
أخبار وتقارير

ندوة علمية برحاب كلية أصول الدين بتطوان

 
 شركة وصلة  شركة وصلة